تفيد دراسات أن موقع قصبة الأُوداية كانت به آثار تعود للعصر الروماني، قبل أن يحظى باهتمام الدول المغربية المتعاقبة، وأن يثير أطماع الأوربيين. هنا تذكرة جولة في تاريخ هذه القصبة.
تراقب البحر في شموخ عبر مصب واد أبي رقراق، لم يكن اختيار موقعها اعتباطيا بالنظر إلى أهميته الاستراتيجية على امتداد مراحل تاريخية موغلة في القدم، اعتبرت نواة أولى لمدينة الرباط العاصمة حاليا. أظهرت الدراسات أن الموقع كانت به آثار مركز قديم يرقى زمنيا للعصر الروماني، حيث شكل واجهة بحرية لمدينة شالة القديمة. وفي المراحل الإسلامية الأولى، عرف المكان أول رباط للجهاد بمنطقة تامسنا، وذلك خلال القرن 10م .ومع وصول الملثمين إلى المنطقة، أقاموا هناك حصنا عُرف بـ“بني تارگا“؛ وهم قبيل من صنهاجة.
استولى الموحدون على هذا الحصن المرابطي في زمن اختلف الإخباريون في ضبطه، فمنهم من أرخ لذلك بسنة 1132م، ومنهم من جعله سنة 1134م، ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كان سنة 1146م . لم يستطع الخليفة عبد المومن بن علي مقاومة ما للموقع الحالي لمدينة الرباط عامة، وموقع قصبة الأوداية خاصة، من جاذبية؛ فبعد استيلائه على مدينة سلا، وكسر شوكة البرغواطيين، أمر بتشييد قصبة جديدة بالمكان، وَسَمَها بـ“المهدية“، وذلك تيمنا بزعيمه الروحي محمد المهدي بن تومرت، كما أن بعض الوثائق نصت على أن تلك القصبة عُرفت أيضا باسم “رباط الفتح“، فالاسم الأول له دلالة روحية مرتبطة بالعقيدة الموحدية، أما الاسم الثاني فهو يحيل على وظيفة الجهاد التي اضطلعت بها هذه القصبة في تلك المرحلة كقاعدة لتجميع الجيوش، وإعدادها للجواز إلى لأندلس لمواجهة التهديدات المسيحية للممالك الإسلامية في تلك البلاد.
لقد دأب الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي على التردد على هذه القصبة، بل إن زمن إقامته المتكررة بها كان يطول في الكثير من الأحيان، وذلك لما كان لها من مكانة رفيعة عنده، حيث اعتبرت عاصمته الثانية بعد مراكش، ومن فرط ولعه بهذا المكان واستحسانه له مداومته على قضاء وقت طويل به، حتى إنه صادف أن وافاه أجله هناك في شهر ماي من سنة 1163م.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 120 من مجلتكم «زمان»