أضحى المغاربة اليوم أكثر دراية بأهمية ودور معهد باستور، فهم ينتظرون تحليلاته ونتائجه بشكل يومي فيما يتعلق بجائحة كورونا. لكن ما قصة هذا المعهد وهل كان للمغاربة أو للفرنسيين؟
تشهد الكتابات التاريخية حول فترة الحماية، أن المقيم العام ليوطي كان يولي اهتماما بالغا بتنظيم القطاع الصحي بالمغرب. ورغم أن أولوياته كانت تنصب على الفرنسيين بدرجة أولى، إلا أنه صرح بضرورة إبداء حسن نيته عبر تطبيب المغاربة، وكانت غايته تنبني على مستويين: السياسي والإنساني. ومن حسن نيته أنه أصدر في سنة 1912 ظهيرا بتاريخ 21 أكتوبر يلزم الجيش بإنشاء مؤسسة صحية عرفت بـ”المصلحة الطبية العمومية المساعدة”، ثم توالى في السنوات اللاحقة إنشاء مراكز ومستشفيات عديدة، ما تزال بعضها قائمة إلى الآن بالمغرب. من بين، ما يعرف اليوم، بمعهد باستور الذي أصبح اليوم أكثر شهرة.
تعود قصة هذا المعهد إلى أكثر قرن من الزمن. ففي 14 يوليوز 1913، تم الإعلان عن تأسيس معهد باستور بطنجة، بتعاون مع معهد باستور بباريس. لكن بعد إعلان مدينة طنجة سنة 1913 منطقة دولية أصبح إنشاء معهد بالمنطقة الفرنسية يطرح نفسه. لكن لم يتم إنشاء معهد باستور بالدار البيضاء إلا سنة 1929. ولم يبدأ الاشتغال به إلا في سنة 1932، بعد أن قدم المخزن مساهمته في الإنشاء.
تضيف الباحثة نوال متزكي، في موضوعها حول تحديث قطاع الصحة في زمن الاستعمار، أن إدارة معهد باستور أسندت للدكتور Georges Blanc الذي كان يساعد الطبيب المشرف على مصلحته داء الكلب Antirabique. ثم الطبيب المسؤول عن مصلحة داء السل، والطبيب المسؤول عن مصلحة علم الطفيليات Parasitologie، وطبيب بيطري وطبيب كيميائي.
كان دور هذه المؤسسة هو تزويد المستشفيات والمستوصفات بالتلقيحات اللازمة، والقيام بمجموعة من الأبحاث حول الأمراض المتعفنة الخاصة بالمغاربة، كالطاعون، والصرع، الجذري والتيفوس.. وأمراض على شاكلتها. في سنوات الاستقلال، وبالتحديد في سنة 1967، وبناء على الاتفاقية المبرمة بين الحكومة المغربية ومعهد باستور سنة 1965، صدر مرسوم ملكي يحول “مركز الأمصال واللقاحات” إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي، وتوضع تحت الوصاية الإدارية للوزير المكلف بالصحة.
وحدد المرسوم ذاته أن من بين مهامه المعهد: “تحضير أو استيراد الأمصال واللقاحات والخمائر والمنتوجات البيولوجية الضرورية لحاجيات البلاد فيما يخص الطب البشري”.