لم تترسخ علاقة العرب مع الحيوان إلا عبر الاحتكاك بالحضارة الفارسية، رغم أنهم كانوا يطلقون أسماء الحيوانات على أبنائهم كي يرهبوا أعداءهم.
لم تعرف الثقافة العربية في نشأتها الأولى فن القصص، ولا عرفت الشعر الملحمي، وإنما عرفت الشعر الغنائي وأبدعت فيه مثلما عرفت الخطابة وأجادت فيها، وجمعت النوادر، وهي مجالات لا تتيح الخيال. ولم ترِد في الثقافة العربية في نشأتها قصص تُوظّف الحيوانات كما في الثقافة الإغريقية، مع قصص إيزوب التي لسوف يستوحيها الشاعر الفرنسي لافونتين فيما بعد، أو كما عند الفرس أو حتى عند العبرانيين مما تسرب بعضا منه للثقافة العربية. نجد في الثقافة العربية حديثا للشاعر مع الناقة، وأحيانا ما يَنسبه الشاعر لها. وقد نجد حديثا مع الذئاب كما في لامية العرب للشنفرى، إذ هم الأهل، لا مُستودَع السر ذائع لهم. ونجد كذلك أسماء القبائل والأشخاص، من أسماء الحيوانات من قبيل بني أسد، فهد، بني ثعلبة، بني ضبة، وبني كلاب… ومما أشيع عن العرب أنهم كان يطلقون أسماء الحيوانات على أبنائهم كي يرهبوا أعداءهم، ويطلقون أسماء الورد والزهر والأحجار الكريمة على عبيدهم وإمائهم، مثل مرجان وعنبر، وياقوت، لأنهم لأنفسهم.
وعلى كل حال، لا نجد قصصا تستوحي الحيوانات إلا مع احتكاك العرب بالحضارة الفارسية، وما نقله ابن المقفع في كتاب كليلة ودمنة من الفارسية، وإن كان أصل الكتاب هنديا، أو ما سرى في العصر العباسي، ثم بعدها مع قصص ألف ليلة وليلة، أو في كتاب منطق الطير لفريد العطار ذي المنحى الصوفي، الذي يستوحي هدهد النبي سليمان والذي كُتب بالفارسية، وصدرت ترجمات عدة بشأنه. لم ينسج أحد على منوال ابن المقفع، على خلاف ما نجد في المقامات مثلا. وتظل السابقة التي حظيت بنوع من النجاح هي قصائد أحمد شوقي على لسان الحيوانات والتي يتأثر فيها خُطى لافونتين.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 84 من مجلتكم «زمان»