تمت حملة المنصور الذهبي نحو الجنوب في ظروف داخلية ودولية معقدة وصعبة، وفيما كانت وراءها دواعي اقتصادية محددة، أسفرت عن تداعيات مختلفة.
شكلت الحملة السعدية إلى بلاد السودان سنة 1591 حدثا تاريخيا بالغ الأهمية شغل بال المؤرخين وتحليلاتهم، وتربع في وعينا التاريخي كمحطة من المحطات الملحمية في التاريخ السعدي والمغربي بشكل عام، وهي تعد أيضا من الحملات العسكرية المغربية التي لا مثيل لها لا من قبل و لا من بعد، حدثت في ظروف داخلية ودولية معقدة وصعبة تسترعي الانتباه، وكانت لها أبعاد وتداعيات عديدة ومختلفة. وبالنظر إلى الأهمية التي اكتستها هذه الحملة، سيتم تسليط الضوء بالأساس على السياق الذي تمت فيه، والدواعي الاقتصادية التي كانت وراءها، والتداعيات المترتبة عنها.
الجمل يسترجع مكانته
منذ القرن 15م، أصبح المغرب معزولا عن دورة المبادلات التجارية بين بلاد السودان والمشرق وأوربا، ومهددا في عقر داره، لا سيما بعد استيلاء الإيبيريين على العديد من ثغوره، ووصولهم عن طريق البحر إلى مصادر الذهب، مما أدى إلى تحول محاور التجارة الأورو– إفريقية نحو الشرق ولا سيما نحو المحيط الأطلسي، فانهارت التجارة المغربية مع بلاد السودان، وتفوقت “الكراڤيلا“ (القوافل) على الجمل، وتراجع دور المغرب التجاري الاستراتيجي في كل من أوربا ودول حوض النيجر، بعد أن شكل لمدة ثلاثة أو أربعة قرون مركز آليات تبادلهما التجاري، ونضبت بذلك موارد ثروته التقليدية، وضعفت بنياته الاقتصادية. وفي ظل هذه التغيرات العميقة التي طرأت على النظام الاقتصادي الإفريقي والتي كان لها وقع شديد على البلاد، أدرك السعديون ولا سيما منهم أحمد المنصور الذهبي، الذي كان يرغب في تطبيق سياسته الصحراوية/السودانية بسبب شعوره بالعزلة والاختناق في ظرفية دولية صعبة سياسيا واقتصاديا، أن التوغل داخل الصحراء لقلب موازين التجارة العابرة للصحراء التي لم تعد في صالح المغرب.
الحسين عماري
تتمة المقال تجدونها في العدد 98 من مجلتكم «زمان»