خلال القرن 16م، قام أحمد المنصور السعدي بحملة توسعية إلى غاية حدود مملكة صنغاي التي كانت تعرف باسم السودان. وتعددت الآراء، وما تزال إلى الآن، حول دوافعها وأسبابها. في هذا الحوار يوضح لنا الأستاذ الباحث مبارك آيت عدي، جوانب مخفية عن حملة المنصور وعما أحدثته في بنية الدولة المغربية.
بخصوص حملة أحمد المنصور على بلاد السودان، هناك من ينعتها بالغزو والاحتلال. ما رأيك كباحث في استعمال هذين المصطلحين لنعت هذه الحملة؟
لقد استعملت المصادر التاريخية مفاهيم ومصطلحات كثيرة للتعبير عن هذه الحملة، منها: الفتح، والغزو، والاستيلاء والبسط، والمنازلة، والحْرْكة، والمَحَلة؛ لكن يبقى الغزو والفتح هما المصطلحين الأكثر تداولا بين المؤرخين والباحثين. نظر هؤلاء إلى هذين المصطلحين على أنهما على طرفي نقيض؛ أحدهما، أي الغزو، يستعمله كل من أراد إبداء موقف معارض من هذه الحملة، والتركيز على كل ما له علاقة بما صاحبها من نهب وسلب وتقتيل؛ والثاني أي الفتح، يوظف من قبل المؤيدين لهذا العمل العسكري. غير أنه إذا رجعنا بالمصطلحين إلى أصلهما الاستعمالي أو على الأقل إلى العصور الأولى للإسلام، نجد أنهما استعملا في مناسبات كلها إيجابية وخالدة في تاريخ المسلمين، فقد جاء عند الطبري أن رسول لله صلى لله عليه وسلم: «غنم في غزوة بدر جمل أبي جهل وكان مهريا يغزو عليه»، وجاء في “كتاب السنن“ للترمذي أن الرسول صلى لله عليه وسلم قال: «من جهَّز غازياً في سبيل لله فقد غزَا»، كما جاء عند الأزدي في “تاريخ فتوح الشام“ أن عمر بن الخطاب خاطب يزيد بن أبي سفيان بقوله: «أما بعد، فقد وليتك أجناد الشام، لا تفارقها حتى يفتحها لله عليك».
بالرجوع إلى دوافع حملة المنصور وأسبابها، هل هي اقتصادية صرفة، أم دينية أم سياسية.. أو ماذا؟
من الصعب ترجيح سبب واحد لهذه الحملة، فقد تداخل فيها السياسي بالاقتصادي والاجتماعي والديني والاستراتيجي، كما أن أسبابها اختلفت وتغيرت حسب اختلاف الجهات التي كان السلطان يرغب في إقناعها والحصول على تأييدها، فقد رُبط بينها وبين أطماعه في الخلافة، وتجاوز نمط الدولة السلطانية التي وصلت إلى مرحلة من العقم في عهده، كما ضرب على وتر الجهاد و نشر الإسلام حين كان يخاطب العلماء والفقهاء، بعد أن عابوا عليه وعلى أسلافه تعطيل هذه الفريضة، كما ربط بينها وبين تفوقه العسكري وامتلاك السلاح الناري حين كان يخاطب الجيش، فقد لوح خلال الاستعداد لها إلى رغبته في تسخير خيرات بلاد السودان لاسترجاع الأندلس إلى حظيرة الإسلام، كما أضفى على نفسه خلال الاستعداد لهذه الحملة بعض صفات المهدي المنتظر، الذي ينتظره بلاد السودان ليحقق به العدل الإلهي ويصلح به أمور الدنيا والدين، بعد أن عانى من الجور والظلم .أكثر من ذلك، أجل هذه الحملة إلى نهاية القرن العاشر الهجري وبداية القرن الحادي عشر، حتى يستغل ما ترسخ في ذهن الناس بأن لله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها أو دينها.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 98 من مجلتكم «زمان»