تعرف المغاربة على القرآن مع وصول أول الجيوش الإسلامية إلى البلاد، وقرؤوه بكل الروايات السائدة، قبل أن يستقر رأيهم على رواية ورش لالتقائها، في الأصول، مع مقتضيات مذهب مالك في اختياراته.
يصدم بعض المغاربة حين يذهبون لأداء مناسك الحج، أو تقع بين أيديهم نسخة من مصحف قادم من المشرق، فيجدون بأول صفحة منه سورة الفاتحة وبها “مالك يوم الدين“، وليس “ملك يوم الدين“ كما ألفوا سماعه من أئمة مساجدهم، أو حفظوه بكتاتيبهم، أو كانوا يقرؤونه بمصاحفهم، لعدم درايتهم بوجود عدد من القراءات القرآنية ووجود بعض الاختلافات بينها. فما سر الاختلاف الواقع في القراءات القرآنية؟ وما هي السردية السنية المعتمدة في تفسير هذا الاختلاف؟ وما هي هذه القراءات؟ وما تاريخها وتوزيعها الجغرافي؟ وكيف كان دخولها إلى المغرب؟ وما هي القراءات التي اعتمدها المغاربة منذ دخول الإسلام؟ ولِم استقر أمرهم على قراءة نافع المدني ورواية ورش وطريق الأزرق؟ وما هي خصائص هذه الرواية وأسباب ترجيحها؟
حسب الرواية السنية، فإن تاريخ القراءات بدأ بتعليم جبريل للنبي محمد آيات القرآن، بغية حفظه لها، متلقيا بذلك الرسالة الإلهية إلى البشرية، ثم انتقل بعد ذلك لتعليم القرآن لأصحابه وتلاوته عليهم، ثم تخصيص بعضهم من المهرة في الحفظ وجيدي الصوت بالإقراء وتعليم الآخرين، وكان النبي يشرف على ذلك بنفسه، ويقوم عليه أحيانا. وقد أنتج هذا التعليم والتمييز طبقة من الصحابة عرفوا بالقراء، ومن أبرزهم أبي بن كعب وعبد لله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل، وقد قتل منهم عدد كبير يقارب السبعين في قصة بئر معونة المشهورة في كتب المغازي والسير، كما أن بعض أصحاب النبي عرفوا بحفظ القرآن كاملا واستظهاره، وقد كانوا قلة معدودين على الأصابع كزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وابن مسعود وأبي بن كعب وعلي بن أبي طالب، وإلى هؤلاء تصل أسانيد ما سيعرف فيما بعد بالقراءات العشر.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 103 من مجلتكم «زمان»