جزء من تاريخ المغرب، الوقوف على عواصمه، في كل مراحل تاريخيه .ليست العاصمة مجرد تجمع سكني، أو مركز السلطة، أو الثقل الاقتصادي، فحسب، لكنها تعبر عن توجه حضاري واستراتيجي، وهوية سياسية وثقافية .نشأت العواصم، في الحضارات القديمة، أغلبها على مجاري الأنهار، أو غير بعيد عنها عند سفوح الجبال، ولكن الثورة الصناعية حولت العواصم إلى جنبات الشواطئ. كما يورك، ونيويورك، وأمستردام…
أقدم عواصم المغرب ما قبل الإسلام، هي وليلي، أو مدينة الدفلى، إذ تفيد الدفلى (أليلي بالأمازيغية)، الفَخَار، ولذلك كان الرومان يتوشحون بأكاليل الغار على رؤوسهم. كانت شالة، وتُنطق سالة لدى الرومان مرفأ تجاريا، مثلما كانت تين جيس عاصمة كذلك، وانسحب الاسم على المنطقة كلها، التي كانت تعرف بموريتانيا الطنجية، تمييزا لها عن موريتانيا القيصرية، وعاصمتها شرشل. الشائع أن أول عاصمة في ظل الدولة الإسلامية هي فاس، ولكن كانت هناك عواصم لإمارات، كما في سجلماسة، أو نكور .وكانت للبورغواطيين عاصمة، تعرف بتيت (وهي العين بالأمازيغية)، وهي غير بعيدة عن الجديدة الحالية، إلى أن اختطّ المرابطون نواة عاصمة جديدة، هي مراكش، أو حمى لله (بالأمازيغية)، على سفح الأطلس الكبير، خزان الماء، وغير بعيد عن جو الصحراء، مما يذكر المرابطين بأصولهم الصحراوية ونظام عيشهم .بيد أن العاصمة الجديدة لم تنشأ من عدم، وإنما كانت قريبة من مركز سياسي، وحضاري، وتجاري، يعرف بأغمات، وأغلب الظن، أن الكلمة مركبة من أك، (بجيم معقوفة) (بمعني حيث)، ومات، ولعل مات، أن تكون قريبة من ماءات Maât المصرية إلهة السلم والعدل والحق. ظلت كل من فاس ومراكش عاصمتي الدول المتعاقبة. حينما يغلب المنحى الامبراطوري، تكون مراكش عاصمة، وحينما ينثني المغرب، في حدود قطرية، تضحي فاس عاصمة له. عرفت فاس دفقا جديدا مع المريينين، وقام ما يسمى بفاس جديد، في مقابل فاس البالي، أو القديم. غلب الطابع الأندلسي على فاس جديد، وغدت أهم الحواضر الأندلسية، بعد أن أخذ الحضور الإسلامي ينحسر في الأندلس.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 139 من مجلتكم «زمان»