في واحد من النصوص التقعيدية للمذهب المالكي لعلال الفاسي، في مجلة “البينة“، يقف الزعيم المغربي عند تقييم المؤرخ المصري حسين مؤنس للمذهب المالكي في بلاد المغرب، باعتباره مكونا للشخصية المغربية، أو إن شئنا للهوية الدينية المغربية. ليس المذهب المالكي في المغرب كما هو في مصر .المذهب المالكي في مصر مذهب فقهي يُشرع للمعاملات، أما في المغرب فهو مرجعية هوياتية، ومستند تاريخي، ونظرة للعالم، وخلاصة إنضاج، ومنارة إشعاع، لأنه انتشر في جنوب الصحراء، انطلاقا من المغرب.
لا نستطيع أن نقف عند الجانب الفقهي وحده حينما نَعرض للمذهب المالكي في المغرب، على أهمية هذا الجانب. ذلك أن المذهب المالكي أبعد مدى من الجانب الفقهي، فهو في المغرب رؤية توفيقية، في إطار أهل السُّنة والجماعة، دون أن يجافي أهل البيت، وهو توليفة ناجحة بين العقل والنقل، أو بين المعتقد والاجتهاد، إذ يُغلّب المذهب المالكي في المعتقد الأشعرية، أو إن شئنا الاعتقاد، حسب المقولة المأثورة للإمام مالك، «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة». وهو مذهب سُني دون أن يتعارض مع التصوف، أو التصوف السني، أو تصوف الجنيد، الموسوم بالسالك. وميزة المذهب المالكي تغليب العقل في المعاملات، ويعتبر الاجتهاد غير محدود في هذا المجال، ولا يقتصر على النص، بل على المقاصد منه، كما عند الشاطبي، من أرسى مدرسة قائمة بذاتها، تتمايز عن مبدأ الحيل لدى الحنفية …وإلى ذلك، يقوم المذهب المالكي على العمل، أي ما قد يسمى عند الإنجليز بالقانون العام “Common Law”، كما عمل قرطبة، أو عمل فاس، وقس على ذلك، وعلى الاجتهاد السابق أو الأحكام المرسلة… ولم يستنكف الفقهاء في الأندلس أن يتأثروا بما وجدوه من فقه الرومان، كما لم يجد فقهاء أوربا، إبان نهضتها حرجا في الأخذ من المذهب المالكي. نحن أمام تراث فقهي كوني، ذي نظرة منفتحة، ومثلما أورد علال الفاسي عن مغربي حج في فجر الإسلام والتقى بالإمام مالك، وسأله النصيحة فقال له: «قم بالفرائض ولا تُعاد أحدا». وتلك من أعظم مقاصد المذهب المالكي، أو فلسفته، ولذلك فهو أكثر من مذهب فقهي.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 137 من مجلتكم «زمان»