قد يبدو إفراد ملف عن المحظورات، مثيرا، لكننا لن نستطيع سلخ التاريخ من أي سلطة أبوية إلا إذا عرضنا لكون ما يعتور المجتمع، في حدود ما تتيحه لنا المظان، وما تفيده قراءة هذه المظان. لا تكون المجتمعات حديثة إلا إذا كان التاريخ لديها بمثابة أخ، نحدثه بلا حرج، وليس أبا نتهيبه، ويجري علينا وصايته، ويرسم لنا حدودا، ويملي علينا تصورات.
كل مجتمع يخضع لمحظورات إما أنثروبولوجية، أو دينية، أو وضعية .تقوم محظورات أنثروبولوجية، غايتها الحفاظ على نوع من التوازن البيئي، كأن يُحرّم قنص طيور معينة، في مكان ما، وتعتبر تلك الطيور ذات بركة، ومن يخالف ذلك يتعرض لمكروه، أو عقر ناقة، أو اصطياد سمك في نهر، أو بحيرة، أو قلع شجرة …وسادت المحظورات من منطلق ديني، كما تعاطي الخمر، فضلا عن الاتجار بها، وأكل الخنزير، فبالأحرى تربيته وبيعه، وحُرّم الزنا …ثم لفترة ظهرت محظورات ذات طبيعة وضعية، يفرضها القانون، إما لأنها تهدد الأمن، كما امتلاك السلاح، والاتجار به، أو تتهدد الاقتصاد، في نوع من المنافسة غير الشريفة…
لكن المحظورات لم تكن قط سياجا مانعا. تم دوما اختراقه، إما لما دُفع إليه الإنسان من انتهاك المحرم، وإما للمصلحة .وفق سياقات تاريخية معينة .الخمر محرم في الإسلام، ومع ذلك، لم يمنع التحريم معاقرته، وشاع تصنيعه في المغرب (ومنه ما عُرف بالرُّب، بضم الراء، وجاءت منه تسمية باب الرُّب في مراكش، ومنه المربّى) ومن مواد مختلفة، عدا الكروم (التين، التمر، البطيخ الأحمر) .كان مرد التبرير أن هناك طائفة يهودية مغربية، ولكن واقع الحال، يفيد أن من المسلمين كانوا من يصنعونه، ويتناولونه، ويتاجرون فيه. بل تغنوا فيه، فيما هو شبيه بالخمريات، في الملحون.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 124 من مجلتكم «زمان»