ما تزال مدن الصفيح تقض مضجع الحكومات المتعاقبة بالمغرب، منذ فجر الاستقلال لغاية الآن. ويمتد وجودها لأكثر من قرن من الزمن، إذ ظهرت لأول مرة في فترة مرتبكة ومؤقتة بسبب الاستعمار، لكنها تمددت أكثر من النار في الهشيم، وعمّرت أطول من عمر المكلفين بالقضاء عليها. فما حكاية دور الصفيح وكيف تجذّرت بالمغرب؟
منذ مستهل الألفية الجديدة، عزم الملك محمد السادس القضاء على الأحياء العشوائية والنهوض بقطاع الإسكان كله. فتضاعفت الجهود بوضع برنامج “مدن بدون صفيح” في سنة 2004، الذي شمل 85 منطقة بالمغرب، الغاية منه القضاء على آخر “براكة” في متم سنة 2010. لكن ونحن في سنة 2019، يبدو أن “القصدير” ما يزال أكثر صلابة وممانعة من فولاذ البرامج الحكومية.
لفهم “ظاهرة الصفيح”، لا يجب وضعها في سياقها الحضري ضمن خريطة التعمير بالمغرب فقط، أي ما بين المدن القديمة والجديدة. فبالرغم من إحراز بعض التقدم في القضاء على “البراريك”، إلا أن الأمور اختلطت في السنوات الأخيرة ما بين القضاء على دور الصفيح وما بين إعادة تأهيل المدن التقليدية، لا سيما الأحياء الآيلة للسقوط، والتي عرفت في كل مدينة بـ”المدينة القديمة”. وبالتالي وجب تتبع تاريخ “البراكة” ضمن سياقها القروي كذلك.
الأرض في نهاية القرن 19
شكل التواجد الأجنبي بجوار المغرب عاملا في تغيير أوضاعه الاجتماعية. فمن خلال تجربة الاستعمار الفرنسي بالجزائر، استطاع هذا الأخير نقل تجربته إلى المغرب وتغلغله في نهاية القرن التاسع عشر، بعد سلسلة من الأحداث شهدتها الإيالة الشريفة، منها اتفاقية مدريد سنة 1880 التي أعطت الحق للأوربيين في امتلاك واستغلال الأراضي المجاورة للمدن المغربية، مما أثر على شكل النظام الاقتصادي وعلى محاولات الإصلاح التي قام بها السلطان المولى الحسن الأول. وفي أواخر القرن 19، كانت غالبية سكان المغرب ذات طبيعة قروية، بحيث شكل سكان البوادي والقبائل حوالي 90 بالمائة من مجموع 4 أو5 ملايين نسمة. ورغم محاولات التحديث والعصرنة التي شهدتها البلاد في مستهل القرن العشرين، إلا أن الأوضاع الاقتصادية كانت ما تزال مرتكزة على الأرض كمورد للرزق، وكذلك على القبيلة كنظام للتسيير بين الجماعات.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 65 من مجلتكم «زمان»