شكلت شخصية سعيد الجماني حيزا كبيرا من السخرية السياسية التي كانت متداولة منذ منتصف السبعينات لدى المجتمع المغربي. وقد شكك البعض، لجرأة النكت، في وجوده وأنه شخصية خيالية أو اسما مستعارا، بيد أن شخصية الرجل كانت حقيقية بل ومقربا من الملك “ومضحكه”.
ينحدر محمد سعيد الجماني من جنوب المغرب من الصحراء، وقد عرف أنه من علية القوم لكنه بسيط في تعامله، “يرتدي دراعيته الصحراوية التقليدية ويحافظ على لحيته الغزيرة”. كما كان معروفا بروح الدعابة حيث لم تفارق الابتسامة محياه. انطلقت شهرة الرجل والقفشات حوله منذ منتصف السبعينات، بالتحديد في قضية الصحراء المغربية والتنازع حولها. هذه القضية كانت قد انعكست آثارها على المستوى المعيشي من حيث الضرائب والاقتطاعات والدعم العسكري.. فأضحت قضية مقدسة في التداول السياسي، بحسب رأي الباحثين.
لم يكن النظام المغربي ليقبل بفكرة انتقاد سياسة الدولة والملك تجاه قضية الصحراء. لذا كانت شخصية الجماني انعكاسا ومتنفسا لهذا الوضع، حيث انتشرت نكت كثيرة حول هذه الشخصية الصحراوية والصحراويين كنوع “من تكسير الطابو السياسي، وللتعبير عن هموم الشعب وما يكابده جراء تضحياته الاقتصادية والمالية في سبيل هذه القضية”. تفشت النكت حول شخصية الجماني كانعكاس للإحباط الذي شعر به المجتمع، والسبب في ذلك بحسب رأي الباحث محمد شقير، هو “الاهتمام الذي حظي به الصحراويون خاصة الأعيان منهم، على شاكلة الجماني، الذين استفادوا من عدة امتيازات من قبل الدولة لقاء ولائهم السياسي: كتراخيص الصيد ومقالع الرمال، إلى جانب تعيين بعضهم في مناصب سياسية قد لا تتلاءم مع مستوى كفاءاتهم”.
تذكر بعض المراجع أن أول نكتة حول الجماني أطلقت بعد استقبال الملك له بعد أيام من الإعلان الملكي عن انطلاق المسيرة الخضراء في سنة 1975، وتغطيته بسلهامه، حيث همس في أذن الملك قائلا: “واش ما كاينش شي سروال للوالدة؟”. هكذا انتشرت نكت كثيرة حول هذا الرجل الصحراوي، تسخر من كفاءته وتعليمه وكذلك من قربه من الحسن الثاني، والتي كانت تعكس اهتمام المغاربة بالقضايا السياسية لا سيما المتعلقة بالملك، عن طريق السخرية والنكتة.
توفي الجماني في سنة 1993 عن عمر ناهز السبعين، ودفن بمدينة العيون. ومع موته تقهقرت النكت حوله، ربما لتراجع حدة قضية الصحراء والصحراويين عما كانت عليه أو لأسباب أخرى، حسب الباحثين.
(للتوسع، انظر كتاب ” السخرية والسلطة بالمغرب.. من المأسسة إلى التحريم”) للمؤلف محمد شقير.