لكل مخرج سينمائي حكاية سينمائية كما يقولون. ومع المخرج المغربي لطيف لحلو فإن حكايته طويلة ومبكرة، فهو مخرج مخضرم عايش ظروف المغرب قبل استقلاله وما حل بعده، فكان من أوائل المخرجين الذي حملوا الكاميرا بالمغرب المستقل. ينحدر لحلو من عائلة تمزج بين الأصالة والمعاصرة، مما جعله يدرك تقابلات المجتمع المغربي، وقد ساعده تكوينه في السوسيولوجيا والعمل الميداني مع بول باسكون وغريغوري لازاريف، والاشتغال بهموم الفلاح المغربي، أن يصنع سينما ترصد تلك التقابلات. في هذا الحوار، يحدثنا المخرج لطيف لحلو من مواليد 1939 عن نشأته وعلاقته المبكرة مع السينما منذ خمسينات القرن الماضي، بالإضافة إلى تجربته السياسية مع الحزب الشيوعي المغربي التي كادت تتسبب في اختطافه من طرف الجهات الأمنية، وأيضا إلى تفعيل مقص الرقابة ضد أفلامه .في الحوار أيضا، حديث عن شخصية المخرج بين الإبداع والسياسة، وعن البدايات الأولى لدعم الإنتاج السينمائي، بالإضافة للحكايات والفلكلور الشعبي والأساطير، وسمعة المغرب بين كرة القدم والسينما..
يعيش العالم في السنوات الأخير كوارث وحروبا تزيد من تعقد أوضاع المجتمعات. باعتبارك سينمائيا مخضرما، كيف تساعدنا السينما على تجاوز الأزمات ومثل هاته الظروف؟
غالبا ما تستخدم أجهزة الدولة، في بعض البلدان، السينما للقيام بالدعاية لصالحها، أي البروباغاندا. على سبيل المثال ما قام به الألماني جوزيف غوبلز خلال الحرب العالمية الثانية، أو تستخدم هذه الوسائط للترفيه عن الجماهير وصرف انتباهها عن مشاكلهم الخطيرة التي تواجهها البلاد. اليوم لم تعد مثل هذه المواقف تمارس، بل على العكس من ذلك، نرى استخدام السينما لإقناع الناس بالإجراءات التي تنهجها الدولة. ومن وجهة نظر عامة الناس، فإن السينما في أوقات الأزمات تشكل محددا لتصريف الألم الذي يشعرون به. وفي هذه الفترة التاريخية التي نعيشها، فالسينما وسيلة قوية جدا وقد يتم استخدامها لأغراض معاكسة. لذا فإن الرسالة التي تبعثها السينما والتلفزيون بالمغرب، يجب أن تشكل إسهاما إيجابيا سواء على المستوى الفني البحت، أو على المستوى الاقتصادي.
افتتحت الدورة 23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة بعرض فيلمكم “شمس الربيع” الذي صدر سنة 1969 وتم تكريمك هناك، وهو أمر جيد. لكن هنا نطرح سؤالا: لماذا يعتبر النقاد والسينيفيليون أن فيلم “وشمة” الذي صدر سنة 1970 هو أول فيلم مغربي طويل وليس فيلمكم الذي صدر قبله بسنة؟
في البداية أقول إنني أحب فيلم “وشمة” لصديقي ورفيقي في النضال حميد بناني. أما بخصوص فيلمي “شمس الربيع“ فقد تم تصويره بين شتنبر وأكتوبر 1968، وتم تركيبه وتعديله في الصوت ووضعه في صيغته النهائية في عام 1969 .ولم يُعرض الفيلم مطلقا في دور العرض لأن الموزع اعتقد أنه «لن يتوافق مع ما ينتظره ذوق الجمهور». لكن في الواقع، كان هناك تفسير آخر وراء موقف الموزع؛ هي ضغوط وزارة الإعلام في ذلك الوقت، التي اعتبرت هذا الفيلم “شيوعيا“ وبالتالي يجب منعه. هكذا بقي فيلم “شمس الربيع“ بين الرفوف.
بالنسبة لفيلم “وشمة“، كان لدى حميد بناني الذكاء الكافي لتقديم فيلمه في حدث فرنسي سنوي يمنح جائزة “جورج سادون“ للفيلم. ومن الواضح أن هناك ضجة كبيرة في المغرب بين «أولئك العارفين» الذين لم يشاهدوا حتى الفيلم الذي يظل بالنسبة لي تحفة فنية من حيث موضوعه وخصائصه الفنية وذكائه في السرد. ثم بعد سنوات قليلة، عندما شاهد السينيفيليون والنقاد الفيلمين: أعلنوا أن فيلمي هو أول فيلم مغربي، وهو ما لا يقلل من قيمة “وشمة” الجميل جدا.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 121 من مجلتكم «زمان»