عند الحديث حول نشأة اللغة الدارجة وبداياتها الأولى في المغرب، يطرح بالموازاة سؤال: هل كانت الجماعات اليهودية المغربية تتحدث العبرية وتكتب بها في المغرب؟ وما مدى تقارب العبرية مع الدارجة المغربية؟ الباحث والخبير اللساني محمد المدلاوي المنبهي يجيب عن هذه التساؤلات بشكل دقيق.
طوّرت الجماعات اليهودية المغربية، شأنها في ذلك شأن كل الجماعات اليهودية في “الشتات”، وبحكم خصائصها السوسيو-ثقافية والسوسيو-اقتصادية، باعتبار تخصصها في المغرب في الوساطة ما بين السهل والجبل والحواضر، عبر التجارة والمهن (صياغة، صفارة، لِحام، خياطة، …) عدة أوجه مما يسمّى بـ”الجوديو-لغات” (لغات تواصلية هي مزيج من كلمات عبرية ولغات محيطية من “دارجة عربية” أو من أمازيغية أو حتى من إسبانية في الشمال). ومن خلال تلك الجوديو-لغات، وبحكم وظائف الوساطات والخدمات المذكورة، تسرّبت كثير من المفردات العبرية إلى الدارجة المغربية المشتركة (“تبصيل”، “تكًشيطة”، “تاخزايبيّت” عبر صيغة صرفية أمازيغية). وقد ساهمت تلك الجماعات، على المستوى الأدبي، برصيد غنيّ وهامّ جدّا من القصائد الزجلية والملحونية تتميز بـ”عربية دارجة مهوّدة” (judéo+arabe marocain) من حيث إنه تتخلل تلك الدارجة كثير من المفردات العبرية.
أما على مستوى الكتابات العلمية، فقد غلب عليها عند علماء تلك الجماعات اليهودية المغربية استعمالُ العربية الفصحى (كما كان الشأن في الأندلس) ابتداء من القرن التاسع الميلادي، مدوّنةً بالحرف العبراني، كما حصل في “مدرسة اللسانيات المقارنة” التي تأسست أول ما تأسست تاريخيا بمنطقة المغرب من خلال أعمال أمثال “يهودا بن قريش”، و”ابن بارون”، و”ابن الأبرط”، و”يحيى حيوج”، وغيرهم. ويبقى استعمال اللغة العبرانية في صفوف تلك الجماعات مقصورا على ما له علاقة وطيدة بالعقيدة اليهودية والشريعة الموساوية.
شكرا على الاضاءات