تكاد تخلو المصادر التاريخية من إفراد فصول محددة عن الأدوار التي قامت بها الأمهات في عدة مستويات عبر تاريخ المغرب .في هذا الحوار مع الأنثروبولوجي محمد ألحيان، نكشف بعض الجوانب المغيبة التي حضرت فيها الأم: في المجتمع والسياسة والاقتصاد، وحتى في المتخيل والميثولوجيا.
تابعنا مؤخرا الحدث البارز في كأس العالم، الذي انصب جانب منه على مكانة الأم عند المغاربة. أنت كأنثروبولوجي، كيف تنظر إلى ارتباط معظم اللاعبين المغاربة في بلاد المهجر وعلاقتهم بأمهاتهم “أكثر “من آبائهم؟
هذا الموضوع مرتبط بعدة أبعاد، ولا يمكن الإحاطة به إلا بالرجوع للتاريخ، وأقصد التاريخ الثقافي بمفهومه الأنثروبولوجي. لفهم دور الأم، لا بد من النظر إلى دور التنشئة في المجتمع التقليدي بالمغرب، ليس قديما، بل إلى حدود العقود الأخيرة. وتُفهم هذه التنشئة التقليدية من خلال البنيات العائلية؛ بالتحديد العائلة الممتدة التي يتم فيها تقاسم الأدوار في مجال العمل وعلى صعيد المجال العائلي الأسري. فالرجل، بحكم ذاك التقسيم، يقضي معظم وقته خارج البيت، في حين أن الأم تظل داخل البيت (ومجاله) الذي يمكن أن تتقاسمه مع نساء أخريات كالجدة أو العمات أو الخالات ..وضمن هذا المجال، يجد الطفل (ذكرا أو أنثى) نفسه في عالم مليء بالنساء، ولا يحضر فيه الأب إلا قليلا. ولا ينفلت الطفل عن هذه الدوامة والتقسيم، إلا ببلوغه سنا معينة عندما يغادر البيت ويشرع في الالتقاء بأقرانه في المسيد أو المدرسة..
لكن هل تختلف الأم المغربية داخل الوطن، عن التي تعيش خارج الوطن؟
نعم هناك اختلاف لا يستهان به. إذا نظرنا إلى المهاجرين ممن غادروا من العالم القروي، ابتداء من جيل الستينات، نجد أنهم عاشوا تطورات من نوع آخر لم يعشها من كانوا هنا بالمغرب. وخلال مقامهم هناك بالمهجر، اختاروا أن يظلوا متشبثين بعاداتهم وبما ينتمون إليه، بشكل زائد مقارنة بمن عاش داخل بالمغرب، وذلك حتى لا تضيع هويتهم بالمهجر. لهذا، يمكن أن ننعت ثقافتهم بالثقافة المحافظة بالمفهوم الأنثروبولوجي. زد على ذلك، أنهم عاشوا مختلفين حتى عن أولئك الأجانب الذين بينهم، وعاشوا تحت ضغوط تفرضها بعض المناسبات الدينية والثقافية.. وهي إكراهات لم تعشها العائلة ومنها الأم التي تعيش داخل المغرب.. وبما أن الأم هي المحافظة والراعية للطفل، والقناة التي توصل لابنها تلك العادات المرتبطة بالوطن، فإنه حالما يصبح الطفل شابا، فإنه يحاول بدوره البرهنة على تشبثه بهويته وما ينتمي إليه. وما شاهدناه خلال فعاليات المونديال هو انعكاس لتنشئته وثقافته المهمشة والمميزة في نظره، والتي يستغل فرصة الاعتزاز بها أمام العالم كلما سمحت الظروف بذلك.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 112 من مجلتكم «زمان»