شكلت الزاوية الدلائية جزءا مهما من التاريخ السياسي للمغرب، إذ تحولت من زاوية دينية تربوية إلى زاوية سياسية طامحة للاستيلاء على السلطة خلال القرن 17م. ولفهم مرتكزات هذه الزاوية وتحولاتها الجذرية، يوضح لنا المؤرخ محمد المنصور الوضع الديني والسياسي خلال الفترة السعدية وحين نشوء الدولة العلوية، الذي تحكم في مسار هذه الزاوية منذ ظهورها إلى غاية أفولها، وكذلك ما ترتب عنه.
قبل البداية، نلاحظ أن موضوع الكتابة حول الدلائيين يكاد يكون قليلا، حتى إن الإخباريين الذين عاصروا تلك الفترة أحجموا عن الكتابة عنهم وعن الصراع مع العلويين، لماذا في نظرك؟
قد تكون الدراسات الحديثة حول الدلائيين قليلة نسبيا، لكن ما كتب عن الدلائيين في الماضي غير قليل. إلا أن ما كتبه المغاربة حول الزاوية الدلائية، منذ اندثارها وحتى منتصف القرن العشرين، لم يركز كثيرا على التاريخ السياسي للزاوية لأن هذا الجانب لم يكن أهم ما تركه الدلائيون. ذلك أن الجوانب الدينية والروحية والعلمية للزاوية كانت أهم بكثير، وهي التي استأثرت باهتمام العلماء والمؤلفين. ويكفي أن أشير، هنا، إلى كتاب سليمان الحوات الشفشاوني “البدور الضاوية في التعريف بالسادات أهل الزاوية الدلائية“. كما أن كتابات علماء الزاوية الدلائية أمثال الحسن اليوسي تتضمن رصيدا هاما من أخبار هذه الزاوية. أضف إلى ذلك أن الخوض في التاريخ السياسي للزاوية بعد أن استأصلها السلاطين العلويون وأبعدوا رجالاتها إلى مدينة فاس وغيرها من البلدان، أصبح من الأمور شبه المحرمة، أو على الأقل من الأمور التي يُستحسن الابتعاد عنها. وانظر إلى موقف المؤرخ أبي القاسم الزياني على سبيل المثال، وهو ابن الأطلس المتوسط، موطن الدلائيين، إذ ينعت هؤلاء بالثوار، بالمعنى القدحي للكلمة، كما يعتبر مؤسس الإمارة الدلائية، محمد الحاج، مجرد “صعلوك مُملق“ في بداية أمره، وهو تحامل لا يمكن فهمه إلا من باب الرغبة في إرضاء ذوي نعمته من الملوك العلويين، وسلوكه مسلكا غريبا بهذا الشكل انفرد به ضمن كل من كتبوا عن الدلائيين.
يطرح هنا تساؤل عام حول وضع الزوايا في هذه الفترة، أي بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي: كيف كانت؟ وكيف يرتبط وجودها و”قوّتها” مع ما سمي بمؤسسة المخزن آنذاك؟
يعتقد الكثير من الناس أن الزوايا هي بالضرورة مؤسسات مناهضة للمخزن. والأمر ليس كذلك، لأن الزواية هي في المقام الأول مؤسسة دينية خُلقت لتلبية حاجيات الناس الدينية والروحية. كما أن بعض الزوايا اضطلعت بنشر العلوم الدينية، بل إن وظيفتها في المناطق النائية (خذ مثلا نموذج الزاوية الحمزاوية بالأطلس الشرقي)، أصبحت لا تختلف في شيء عن وظيفة المدرسة فيما يتعلق بتدريس العلوم الدينية واللغة العربية. لذلك، فإن الأسر التي حكمت المغرب ابتداء من المرينيين شجعت تأسيس الزوايا وأغدقت عليها الدعم، طالما بقي نشاطها محصورا في المجالين الديني والروحي. بطبيعة الحال عندما يحاول شيوخ بعض الزوايا الخروج عن الإطار الذي رسمته الزوايا لنفسها في البداية، أي أن تكون قبلة للمريدين وطالبي العلم، وتكون في الوقت نفسه ملاذا للمحتاج وعابر السبيل، ودارا لإطعام الطعام في أوقات الشدة، فعندئذ تتدخل السلطة السياسية لتذكرها بحدودها المرسومة والمعلومة.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 114 من مجلتكم «زمان»