يتوزع مجال اشتغال الأستاذ محمد الناجي بين عدة فروع من المعرفة، أهمها السوسيولوجيا والاقتصاد والتاريخ، والشأن الديني والسياسي .ولا يقتصر اهتمامه على المغرب فقط، بل يتعداه إلى العالم العربي، مثلما فعل في كتبه حول العبودية والسلطة وحول فترة النبوة. يتحدث محمد الناجي، في هذا الحوار، عن مساره العلمي والأكاديمي، ويغوص في مواضيع وقضايا بالرغم من أنها خلقت له جدلا واسعا، إلا أنها فتحت آفاقا معرفية بالغة الأهمية، قد أقر بها جهابذة الفكر الغربي في مقدمتهم الأنثروبولوجي البريطاني إرنست غيلنر والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري.. وآخرون .يفصّل الناجي، هنا أيضا، في القول الذي لاحقه بحكم معرفته وعلاقته بمستشار الملك فؤاد عالي الهمة، وبشكل عام في صداقة المثقف مع رجال السلطة والحكم.
عندما يتأمل الأستاذ الناجي مساره التعليمي والشخصي ويعود إلى فترة شبابه والجيل الذي عايشه، ما الذي يقوله الناجي الآن إلى الناجي الشاب؟
لا يمكنني قول أي شيء ما عدا التعبير عن حزني وخيبة أملي. سأخبره عن تحرري من الأوهام، مثل معظم المثقفين اليساريين في العالم الآن. وهنا أحيلك على آخر كتابات ريجيس دوبري حول هذا الموضوع. قبل مدة، شعرت بالرغبة لأعود لذاك الطفل الذي كنته لأحادثه. لقد تبين لي أن الحوار بين “جيلين” هو مثمر للغاية، أو لنقل هو أفضل شيء لأنه يجمع بين عالمين يسكنان فينا .وقد ولد هذا الحوار كتابا لي عنوانه: “سر الرسالة“ ذو قالب روائي.
هذا الحوار، الذي أجريته بين هذين العالمين، مليء بمرارة الفشل لكنه مشحون بقوة وخبرة السنين. دار النقاش بين طفل يلوّح بورقة بيضاء ذات نقاء متوهج، وبين شخص بالغ لديه أفكار مرتبكة وبين يديه مسودة غير واضحة. هذا الطفل يلقي اللوم عليّ بشدة .ولأنه متمسك بوضعه وطهارته ونقائه، فإنه يعتبر نفسه قائما على أسس أكثر صلابة .يمكن القول إن ذاك الطفل يوبخني لارتكاب خطأ إساءة فهم مجتمعي، الذي كنت فاعلا وهميا فيه، ومستعجلا للأمور غير آبه للقيود التي كانت واضحة بالنسبة له، ولاستهانتي بقدرات ثقافتي على الرغم من أني متصالح مع تاريخي ومتمسك به .ومن أجل إعادة صياغة هذا التاريخ، يتهمني بأني تخليت عنه أو بعبارة أخرى أني تخلصت من كل شيء، الحابل منه والنابل. هذا تقريبا كل شيء، لكن من الواضح أن النقاش أعمق. لذلك، علينا اليوم أن نسائل أنفسنا بصراحة حول الفشل، والأوهام، والمشاريع وعن كيفية التعامل معها بوعي ودقة من أجل التغلب على هذه المرحلة من الندم واللوم .وهذا ما يجعلنا نفكر في صحة اختياراتنا الإيديولوجية للشباب، وفي أشياء أخرى كثيرة.
في فترة الدراسة، إلى أي تيار “فكري-إيديولوجي” كنت ميالا إليه؟
في البداية، خاصة خلال المرحلة الجامعية، كنت أعشق الأدب .ورغم أني لم أمارس الكتابة، إلا أني كنت أحب القراءة .اكتشفت الماركسية بالصدفة، فقد حضرت مظاهرة طلابية بدافع الفضول فقط، وتم اعتقالي ونقلي إلى مركز الشرطة مع العديد من الشباب الآخرين، معظمهم من النشطاء. وربما تصفيفة شعري الهيبي، هي ما أدى إلى اعتباري من قادة الحركة، الذين أصبح بعضهم أصدقاء مقربين جدا لي، وقد أودعت في السجن في انتظار محاكمتي بعد أسبوع. لقد كان اكتشافا كاملا بالنسبة لي، كنت سأنتقل إلى عالم كان غريبا عني حتى ذلك الحين. هكذا، بدأت قراءاتي للينين، وبليخانوف، وماو تسي تونغ، وكارل ماركس، دون أن أفهم فعلا كتبهم التي انكببت عليها بنهم حينها. من الغريب، كنت قد التقيت المرحوم عبد السلام المؤذن، الذي سبق لي أن شاركت معه العديد من القراءات الأدبية في الصويرة، وهو الذي أجريت معه تلك القراءات والنقاشات الماركسية. وبعد ذلك بوقت طويل، عندما أصبحت أستاذا في كلية الاقتصاد، بدأت في التعامل مع كتاب رأس المال لماركس وأعمال أخرى بمزيد من التبصر.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 100 من مجلتكم «زمان»