متى بدأت الدولة في المغرب خوض تجارب توسعية خارج مجالها الترابي؟ كيف استقبلت هذه المحاولات في الجزائر والأندلس والسودان الغربي من طرف السكان المحليين؟ وما الذي جعل التجربة السعدية الأكثر إشعاعا؟ هذه الأسئلة يجيب عنها المؤرخ محمد مزين.
السؤال المركزي، الذي يطرح نفسه في البداية، ما هو التوصيف العلمي أو التاريخي الدقيق لهذه المغامرات الخارجية لعدد من الدول التي حكمت المغرب؟
مند زمن غير بعيد، أثير نقاش بين المثقفين حول كيفية اعتبار “الفتوحات” التي قامت بها الدول التي حكمت المغرب. هل هي غزوات أم توسعات امبريالية أم محاولات توحيدية؟
لكن قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، لابد من إثارة قضية المفاهيم التي يعتمدها هذا النقاش. لأنه لا بد من ضبط بعض المصطلحات التي نعتمدها، حتى لا نسقط في ما يسمى بالمفارقة التاريخية أي إسقاط المفاهيم الحالية على قضايا تاريخية ماضية. إن الحديث عن ”التوسع” أو ”الهيمنة”، مثلا، لمحاولة تفسير وفهم السياسة الخارجية المغربية، هو حديث ملغوم، لأن كلمتي ”التوسع” و”الهيمنة” مفهومان جيو-سياسيان لم يظهرا إلا في القرن التاسع عشر والكلمتان مقرونتان بمفهومي ”الاستعمار” و”الإمبريالية” وغيرها من التعبيرات التي وصفت وضعا تاريخيا معينا من ماضي البشرية. فعبارة “الإمبريالية” ظهرت لأول مرة مع جون هوبسون، سنة 1902، أما “الاستعمار” فهو مفهوم إيديولوجي وممارسة سياسية ترجع جذورها إلى القرن 16. وقبل هذا وذاك، يجب أن نطرح للنقاش مسألة ”المغرب”، إذ من الضروري الإجابة عن سؤال كيف تطورت حدود المغرب عبر التاريخ. حتى نتمكن من ضبط فترات اتساعه أو تقلصه، وهذا السؤال يختزل مجموعة من التساؤلات الباطنية التي تخترق تاريخ المغرب مند أن كان إقليما رومانيا (موريطانيا الطنجية) إلى اليوم.
هذه، إذن، مجموعة من الشروط الإبستمولوجية التي يجب أن نحترمها ونحن نتحدث عن كل هذه المفاهيم، على صعوبة قبولها. لكن يمكن من باب تبسيط الأمور اعتماد عبارة ”التوسع” بدون حرج. ولو أن كلمة “الفتح” أنسب بالنسبة للحديث عن دولة إسلامية.
هل ارتبطت فكرة التوسع والبحث عن نفوذ خارج التراب وتوسيع الإمبراطورية أساسا بظهور الإسلام؟ هل يمكنك أن تحدثنا عن حضور هذه الفكرة في النصوص الدينية؟
اعتبر المؤرخون أن نشر الإسلام بالفتوحات لم يكن توسعا، بل هو تعريف بالدين الجديد. وعندما تولت الدولة الأموية والعباسية، وقبلهما الخلفاء الراشدون، أمر المسلمين، دعوا إلى فتح البلدان ونشر الإسلام. وقد اختلف المؤرخون في شرعية تلك الفتوحات، فحكم بعضهم عليها بأنها توسعات، مثلها مثل ما كانت تقوم به الدول التي عاصرت ظهور الإسلام وتطوره عامة، من بيزنطيين وغيرهم. دعنا نقول إن الفقهاء مالوا مند البداية إلى تبرير الفتوحات، ولو أن الفتح بالقوة لم يكن محل قبول ورضا من عامة الفقهاء ولا من المجتمع الإسلامي كله. وقد اشتهر في هذا الباب الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي عبر عن معارضته للفتوحات خصوصا أن الجيوش الإسلامية اكتسحت الأندلس غربا والقسطنطينية شمالا والصين شرقا. ووصل به الأمر إلى سحب الجيش من الثغور الشرقية والشمالية. فتعرض القادة الكبار للفتوحات، كطارق بن زياد ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم، إلى العزل والمحاكمة. العجيب في كل هذا أن كلمة الفتح التي جاءت في القرآن كلمة تحيل على السلام والوئام، لكن الظروف جعلتها تتغير لتصف الحرب والبطش.
وتجب الإشارة إلى أن الفقهاء يعتبرون أن الفتوحات نتيجة حتمية للتاريخ تنطلق من اجتهادات المسلمين بين فهمهم للدين ومسايرتهم للواقع.
عماد استيتو
تتمة الحوار تجدونها في العدد 65 من مجلتكم «زمان»