ارتبط ظهور المدارس بشكلها المعماري المميز في المغرب بالمرينيين، فكان لحاضرة مراكش حظها من هذا النوع من المؤسسات العلمية بإنشاء مدرسة ابن يوسف، التي كان لها نظامها الخاص، مما أهلها لتكوين الكثير من النخب لقرون عديدة.
أولى المرينيون عناية خاصة بالمدارس، وكان ذلك منذ الأيام الأولى لوضع وتركيز أسس الدولة مع السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، فقد أوعز إليه أحد مستشاريه من العلماء الذين كانوا يغشون مجلسه، والمعروف بأبي أمية مفضل بن محمد العذري العمري الذي أدركته الوفاة سنة 686 هـ/1287 م، بإنشاء أول مدرسة بحاضرة فاس، وتزويدها بما تحتاج إليه من شروط لأداء مهمتها التعليمية في أحسن الظروف، فاستحسن السلطان مشورة أبي أمية، فأصدر أوامره لبداية الأشغال في تشييد المدرسة اليعقوبية المعروفة حاليا بمدرسة الصفارين، التي عُدت أول مؤسسة تعليمية بالمغرب اختصت في إيواء الطلبة واحتضانهم طيلة مسارهم الدراسي. سار سلاطين بني مرين على نهج أسلافهم في الاهتمام بالمدارس، فحظيت عاصمتهم فاس باحتضان أغلبها، وقد نالت مدن أخرى منها مراكش حظها من هذه السياسة المرتكزة على تخطيط المدارس وعمارتها. كان هناك حرص على خضوع هذه المدارس لنظام واحد، يضمن أداءها لمهامها ووظائفها المختلفة المرتبطة تعليميا بتدريس العلوم الشرعية وإقراء القرآن الكريم وإيواء الطلبة وإطعامهم، وسياسيا بتثبيت الشرعية في الحكم، فجاء تخطيط كل واحدة منها متقارب الشبه مع الأخرى، حيث أدمجت فيها مرافق مشتركة انتظمت حول صحن مكشوف ينفتح على السماء يتوسطه صهريج بديع أو خصة رخامية يتدفق منها الماء، يحيط بهذا الفناء غرف مخصصة لإيواء الطلبة وقاعات الدروس والصلاة وميضأة وملحقات لإقامة الخدم القيمين على صيانة المكان ونظافته وحراسته، وضمان إنارته ليلا والسهر على نظام الحركة به نهارا، ومخازن لوضع الأفرشة والحصائر وزيت الإضاءة، ومختلف الوسائل والأدوات التي تيسر العملية التعليمية داخل المدرسة.دأب السلاطين المرينيون على تخصيص أوقاف لإنشاء المدارس وتجهيزها والإنفاق عليها ضمانا لتسييرها وتدبير شؤونها.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 128 من مجلتكم «زمان»