كيف أسهم المرينيون في تثبيت أركان العقيدة الأشعرية بالمغرب؟ وكيف كانت عودتهم إلى المذهب المالكي بعد ما لقيه من تضييق خلال عصر الموحدين؟ وكيف وظف المرينيون التصوف لدعم استقرار الدولة وحماية أمنها الروحي؟ وما هي أهم التقاليد الدينية التي أحدثها المرينيون وما زالت قائمة إلى اليوم؟
رغم أن تأسيس الدولة المرينية لم يقم باتفاق المؤرخين والباحثين على مشروع إيديولوجي ومذهبي كما كان عليه الحال زمن المرابطين والموحدين، فإن هذه الدولة الزناتية، بسبب حاجتها إلى الدعم الديني والمعنوي، ورغبتها في تحقيق وحدة دينية كانت ضرورة لأي استقرار سياسي، أسهمت بشكل أساس في تثبيت أضلاع التدين المغربي التي ما زالت قائمة إلى اليوم، من عقيدة على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، وفقه مالكي استقر بالمغرب بعد محاولات اختراق مذهبية متعددة، وتصوف سني مزج بين قواعد تهذيب السلوك ومحاربة البدع والحوادث، إضافة إلى ما أحدثه المرينيون من تقاليد دينية ما زالت مستمرة بل وثابتة إلى الوقت الحاضر كإحياء ذكرى المولد النبوي وجعلها احتفالا سنويا. رغم أن العقيدة الأشعرية كانت متداولة بالمغرب الأقصى منذ زمن المرابطين، إلا أن اعتمادها كمذهب عقدي رسمي للدولة لم يتم إلا على عصر الدولة الموحدية مع عرابها المهدي بن تومرت، بل إن الموحدين جعلوا من العقيدة الأشعرية عنصرا أساسيا لقيام وحدة سياسية وعسكرية تستقطب كل الجماعات، وتجتمع تحتها كل الآراء والاتجاهات، ولهذا حملوا الناس بالقوة والإكراه على اعتناق مذهبهم العقدي، ولم يتوانوا في قمع كل مخالف لهذا المنهج، وهو ما أسهم في انتشاره بمختلف مناطق المغرب، كما جعل كثيرا من فقهاء ذلك العصر ومتكلميه يحجمون عن الإسهام في هذه المعركة الفكرية، بسبب ما تعرضوا له من إبعاد عن الحياة العامة، وزحزحة عن مراكزهم الاجتماعية والقيادية، بل يمكن القول إن هذا الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء الفقهاء كان أحد عوامل سقوط الدولة الموحدية ونهايتها.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 132 من مجلتكم «زمان»