ما هي سياقات تهجير القبائل، في زمن العلويين، وتوطينها بأماكن أخرى؟ وما هي أسباب هذا التهجير ودوافعه؟ وما أبرز القبائل التي كانت ضحية هذه السياسة؟ وكيف تفاعلت القبائل الأصلية مع تهجير قبائل غريبة ووافدة؟ وما هي التداعيات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية لهذه العملية؟
كانت عملية تهجير القبائل وإعادة توطينها من أهم السياسات التي اعتمدتها الدولة العلوية في بداية حكمها، من أجل تحقيق الاستقرار السياسي وتوطيد الحكم المركزي، كأهم الأدوات التي وظفتها الدولة، سواء من أجل السيطرة على القبائل المتمردة، وإضعاف التحالفات القبلية التي تهدد وجود الدولة وقوتها، أو من أجل محاربة بعض الحركات الدينية التي كانت تنازع الدولة في شرعيتها وتشكل تهديدا للسلطة القائمة. مع تولي الدولة العلوية للحكم خلال القرن السابع عشر الميلادي، كان المغرب يعرف حالة من التوتر الداخلي والخارجي بسبب تمرد القبائل التي كانت ترفض الخضوع للحكم المركزي، وكان لها نفوذ واسع في مناطقها، خاصة التي كانت تعتبر أرضا خصبة للثورة والتمرد كالريف والأطلس، وبسبب التهديدات الخارجية حيث كان الاستعمار الأوروبي يشكل تهديدا للمنطقة، مما جعل الدولة العلوية الناشئة تعمل على تهجير عدد من القبائل إلى مناطق غير مأهولة أو مناطق تحت سيطرة الدولة، للحد من قدرتها على التمرد، وكسر نفوذها العسكري، وإحلال قبائل موالية بدلها، حتى تتحكم الدولة في عدد من الأراضي، وتعزز سلطتها في مناطق مختلفة. كما كان لعملية التهجير هدف سياسي آخر، يتمثل في تفكيك القوى المعارضة، حيث كانت قوة بعض القبائل تشكل تهديدا للسلطة المركزية، فكان تفكيكها وتشتيتها أفضل وسيلة لإضعافها، إضافة إلى أن هذه العملية كانت مكافأة لقبائل أخرى موالية للسلطة، حيث تم منحها أراضي خصبة ومواقع استراتيجية مهمة. فلما تمردت قبائل الأطلس المتوسط كزيان وآيت يوسي وآيت سرغوشن ضد السلطة المركزية، قام السلطان المولى إسماعيل بتهجير أجزاء من هذه القبائل إلى الغرب وقرب المدن الكبرى كفاس ومكناس، حيث يمكن مراقبتها بشكل أفضل، وحيث يمكن استعمالها في كقوة عاملة في مشاريع الدولة مثل بناء القصور والتحصينات. ولما تمردت عليه قبائل آيت يافلمان الواقعة في الأطلس المتوسط، هجرها إلى مناطق أخرى كالغرب وسوس، بهدف إضعافها ومنعها من تنظيم تمردات جديدة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 137 من مجلتكم «زمان»