انخرط ابن سودة مبكرا في الحركة الوطنية، وذاق ويلات سجون الاستعمار. وقبل أن يصبح مستشارا للحسن الثاني، قطع مشوارا طويلا بين الإعلام والسياسة والإدارة.
بالعيون في نونبر 2015، أثناء الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، كان الحديث ذا شجون عن الأجواء التي أعقبت المسيرة، في بيت من بيوتات المدينة، ضم أطيافا عدة من أهل المنطقة، من العروسيين والسباعيين وأولاد توبال، وإزركيين، والرقيبيين، وآخرين من شمال المغرب، وجرى الحديث عن أحمد ابن سودة، أول عامل على المنطقة، وخطبه العصماء وعلاقاته الوثيقة بالقبائل، وحسن إدراكه لعاداتها وثقافاتها. إثرها سألني صحافي شاب واعد، ومن أحمد ابن سودة هذا…؟
كان الصحافي من الجيل الذي وُلد بعد المسيرة، ولم يعش أجواءها، ولم يعرف سياقاتها، ولم يعرف بالتالي أحمد ابن سودة، أحد الشخصيات السياسية المغربية الوازنة في مغرب الاستقلال، من الرعيل الأول للوطنيين، من حزب الشورى والاستقلال، وواحد من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لينفصل بعدها عن كل نشاط سياسي حزبي، ويندرج في خدمة الملك الحسن الثاني، في مناصب عدة، عاملا على الرباط، ومديرا عاما للإذاعة والتلفزيون، وسفيرا بلبنان، ومديرا للديوان الملكي. يظل منصبه كأول عامل على العيون إثر استرجاع المناطق الجنوبية أحد أبرز تلك المحطات. وما تزال صورته قائمة في حفل إنزال العلم الاسباني ورفع العلم المغربي، بتاريخ 28 فبراير 1976 مع الحاكم الإسباني سلازار، رفقة رئيس الجماعة خطري ولد سيدي سعيد الجماني، وكاتب الدولة في الداخلية حينها إدريس البصري، وعبد الحفيظ بن هاشم، ومؤرخ المملكة عبد الوهاب بن منصور.
وما يزال الجيل الحالي يذكر برقيته التي بعثها للملك من الجزائر، إثر انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، سنة 1987، حين أقدم ياسر عرفات على مصافحة زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز مما دفع بالحسن الثاني إلى إلقاء خطاب ناري. كان أحمد ابن سودة منتدبا لتمثيل المغرب في ذلك الملتقى الهام في مسار القضية الفلسطينية، وكان ابن سودة، بصفته مستشارا للملك الحسن الثاني، رجل ملف الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية. ولم يكن القادة الفلسطينيون حين يحلون بالرباط ينزلون إلا ببيته، وكان له جناح خاص للزعيم ياسر عرفات، لذلك كان ما أقدم عليه ياسر عرفات مستغربا، وبادر ابن سودة ببعث برقية للملك الحسن الثاني يخبره بما جرى، تلاها الملك في خطاب، كما وردت، باللغة الفرنسية، ليعبر عن غضبه حينها، عن تصرف اعتُبر غير لائق بالمغرب، وملكه.
فمن هو هذا الرجل الذي انطلق من الحركة الوطنية، ليصبح واحدا من خدام الملك الحسن الثاني، وأبرز متتبعي قضايا الشرق الأوسط، والعارفين بالقضية الفلسطينية الذي تماهى معها إلى حد أن نظم قصيدة عصماء حول مآل القدس، سماها بالزمزمية وقد نظمها برحاب المسجد الحرام بمكة.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 71/70 من مجلتكم «زمان»، غشت-شتنبر 2019