أسهمت متغيرات انتقال الحكم في بداية العصر العلوي الأول في سقوط الكثير من الأسرى، واستدعت بناء سجون في العديد من المدن، نالت فيها الحاضرة الإسماعيلية النصيب الأوفر.
عرف مغرب الفترة الحديثة، خاصة خلال العهد الإسماعيلي، وجود أعداد مهمة من الأسرى الأوربيين، وقد كان ذلك نتيجة للحروب أو لأنشطة الجهاد البحري التي اعتاد المسلمون، سواء كانوا مغاربة أو أندلسيين أو أتراك، على القيام بها في البحر المتوسط أو المحيط الأطلنتيكي.
تشكلت الإرهاصات الأولى لهذه لظاهرة الأسرى المسيحيين في المغرب مع بداية التوسع الإيبيري بسواحل شمال إفريقيا، إضافة إلى ما عرفته الأندلس من حروب استرداد، طرد على إثرها عدد كبير من المسلمين مع مستهل عام 1492م، وأذكى من نشاطها المد العثماني بالحوض الغربي للبحر المتوسط، واستيلاؤه على الجزائر. وترتب عن هذه المتغيرات استقبال سجون بعض المدن المغربية لأعداد كبيرة من الأسرى المسيحيين من جنسيات أوربية مختلفة، رجالا ونساء وأطفالا من مختلف الأعمار.
سجون بمواصفات خاصة
توزع الأسرى المسيحيون في هذه الفترة على سجون عدة مدن مغربية، فاس وتطوان والقصر الكبير والعرائش وأصيلا وسلا ومراكش وشفشاون وغيرها، إلا أن العاصمة مكناسة الزيتون ضمت أكبر عدد منهم، باعتبارها الحاضرة السلطانية، ومركز الحكم على عهد المولى إسماعيل، خاصة بعد أن نُقل إليها أعداد مهمة منهم من سجون مراكش وفاس وسلا، حيث ألحقوا بسجون المدينة، لاسيما أن مكناس كانت في هذه المرحلة عبارة عن ورش بناء كبير يحتاج للكثير من اليد العاملة.
لم يكن عدد الأسرى، الذين ضمتهم سجون المولى إسماعيل، يستقر على حال، نظرا لمجموعة من العوامل منها: نسبة نشاط وتيرة الجهاد البحري وأهميتها، ومدى سرعة أو بطء عمليات افتداء الأسرى التي كان يشرف عليها الدبلوماسيون أو التجار أو رجال الدين الفرنسسكان. وفي هذا الصدد، ذكرت بعض الكتابات الأوربية أن العاصمة مكناسة الزيتون ضمت لوحدها ما يقارب ثلاثة آلاف أسير سنة 1700م.
ذكرت أغلب المصادر التي تناولت الموضوع أن الأسرى والسجناء كانوا يقيمون في سجون تحت الأرض، وهي ما عرف عند السكان المحليين بـ”المطامير”، حيث استعملت هذه الحفر الكبيرة، التي كانت في الأصل عبارة عن مخازن، لإيوائهم في مجموعة من المدن مثل مكناس وفاس وتطوان والقصر الكبير وغيرها. وقد ذكر الأسير مويط أن «مطامير سلا والقصر وتطوان كانت من أكثر مطامير المغرب ظلمة واتساخا». كان الأسرى والسجناء يحشرون في هذه السجون “المطامير” عبر فتحة تدلى منها سلاليم مصنوعة من حبال القنب، ثم تسحب إلى الأعلى بعد إدخالهم إليها. أما أرضية هذا النوع من السجون، فَفُرشت عليها حصائر مصنوعة من نبات الأسل.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 56 من مجلتكم «زمان»