أكل المغاربة، زمن المجاعات، الميتة والجيف ولحم الخنزير ولحم الآدمي، إلى جانب بعض الأعشاب الضارة والسامة.
استمرت الزراعة في المغرب معتمدة على تقنيات بسيطة، محورها المركزي المحراث الخشبي الذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ عهد نوح، إلى جانب المنجل كوسيلة حصاد، قبل حمل السنابل لتدرس بواسطة الدواب. وكانت هذه الزراعة بعلية بالأساس لانعدام منظومة واسعة للري، اللهم ضفاف الأنهار وقدم الجبال وأحواز المدن. وكان الميسم العام لهذا النوع من التدبير الزراعي يتمثل في اندراجه في إطار اقتصاد قلة وكفاف، لا يوفر خلال السنوات السمان ما يسد الرمق خلال السنوات العجاف. لذلك بمجرد ما كانت المجاعات، الناجمة في الغالب عن توالي الجفاف أو مرور أسراب الجراد، تضرب جهة في البلاد حتى يختل التوازن الهش، وتندر الأقوات ويتم البحث عن بدائل غذائية. وإذا تتبعنا هذه البدائل، على الأقل منذ الفترة الوسيطية إلى المرحلة المعاصرة، سنجدها لا تخرج، من حيث نوعيتها، عن إطار الضرورات تبيح المحظورات سواء على المستوى الشرعي أو حتى الصحي، إذ بينهاالميتة والجيف ولحم الخنزير ولحم الآدمي، إلى جانب بعض الأعشاب الضارة والسامة.
سنوات عجاف بأسماء نباتية
لجأ المغاربة منذ العصر الوسيط إلى مصادر تغذية تحولت إلى ملاذ لهم كلما حلت بهم المسغبة، وإن كان بعضها مما درج أهل المناطق الجنوبية من البلاد على تناولها، لتعودهم أكثر من غيرهم على اقتصاد القلة والنقص. بينما كان البعض الآخر مما يتم اللجوء إليه كلما حلت بهم مجاعة شديدة، إذ تظهر في هذه الظروف المطبوعة باليأس «سلوكات وأنماط غذائية جماعية، تتحول فيها ظاهرة الجني والقطف من البراري والأحراش من حالة اختيار، قبل الأزمة، إلى حالة اضطرار، كما في السنوات المسومة في المصادر بأنواع من تلك النباتات والأعشاب»، كما يشير إلى ذلك الباحث محمد ستيتو. ولعل أهم هذه السنوات العجاف، التي وشمت في الذاكرة الجماعية برمزية القحط والجوع، هي ما عرف بعام «البقول» وعام « الخبيزي» وعام «يرني» وعام «اللوبية» لارتفاع ثمنها في تلك السنة، وعام كروم الحاج، وعام «خيزو» لانتشار زراعة الجزر بشكل واسع في تلك السنة، المعروف أيضا بعام الصندوق، لاضطرار الناس إلى إخفاء الخبز الذي يحملونه إلى الفرن في صناديق تفاديا لتعرضه للنهب، ثم عام البلوط الذي قيل في شأنه «عام البلوط عام مزلوط».
الطيب بياض
تتمة المقال تجدونها في العدد 5 من مجلتكم «زمان»