ما هي علاقة المغرب بالفراعنة في مصر منذ فجر التاريخ، وهل تأثر المغاربة بحضارة المصريين، أم تأثر المصريون بالمغرب؟ الآثار الحجرية والمصادر التاريخية تقول أن الحضارتين المصرية والمغربية تداخلتا في ما بينهما..
في عصور ما قبل التاريخ، كانت الثقافة المصرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بثقافات وحضارات المغرب القديم، بل بالثقافة الإفريقية بشكل عام، من ليبيا إلى المغرب الأقصى. وقد ساعدت الظروف الجغرافية والطبيعية بأن تصبح مكانا لاستقبال المؤثرات الحضارية القادمة من شمال غربي إفريقيا منذ العصر الحجري القديم. والسبب في ذلك، بحسب المؤرخين، أن إنسان ذلك العصر قد تمتع بحرية التحرك، حيث كانت الصحراء خضراء غنية بالنباتات والواحات والوديان ووفيرة بالمياه وغاصة بالحيوانات. وقد عثر على آثار تدل على هجرات من صحراء شمال إفريقيا الكبرى إلى وادي النيل، وأن سكان مصر لم يكونوا جميعا سودا، بل كانوا خليطا من الشرق والغرب في العصر الحجري.
ومما يدل على امتزاج الحضارتين المغربية والمصرية، في ما يناهز خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، هو التشابه بين المعتقدات الدينية والتمازج في ما بينها، بحسب ما تشهد عليه البقايا الحجرية لحد الآن. في دراستها حول تمازج المعتقدات الدينية بين المغرب القديم ومصر، تفصل الدكتورة والباحثة هند الفقي في مدى التشابه بين الحضارتين المغربية والمصرية، ومدى الـتأثير في بعضهما. وتورد أن الصلات الحضارية بينهما بدأت في العصر الحجري الأوسط، في زمن الحضارة “العاترية” التي وجدت في كهوف المملكة المغربية في الخنزيرة (بدكالة)، وفي الرواسب السطحية لوادي جوربا وكهوف دار السلطان وتافورالت، وبيت مليل والحنك. وتضيف أن منطقة دكالة سافر أهلها في العصر الحجري القديم الأوسط مرورا بليبيا واستقروا بأسيوط وطيبة بمصر. وفي المقابل انتقل بعض أهل مصر قرب وادي النيل، ونزحوا كذلك إلى شمال إفريقيا في العصر الحجري الأوسط، وبالتحديد في عصر ما يسمى بالحضارة “الإيبرومغربية”.
استمرت الصلات بين مصر والمغرب إلى قرون طويلة، مما أدى إلى امتزاج المعتقدات والعادات، لا سيما المتعلقة منها بالدين والإيمان. ومما تتشابه فيه الحضارتين، بحسب الباحثة، على سبيل المثال لا الحصر: عقيدة البعث والخلود. فقد آمن المغاربة بمسألة الحياة بعد الموت، حيث اعتقدوا أن الحفاظ على الجثة سليمة وتزويدها بما تحتاج هو الشرط الأساسي للبعث والخلود في الحياة الأخرى، وهو نفس الاعتقاد الذي عرف عن المصريين القدامى. ومما عثر عليه في المغرب أيضا: طريقة دفن الموتى على شكل القرفصاء التي ترمز إلى الجنين وإعادة الولادة، بحسب اعتقادهم.
وقد تشابه الطرفين أيضا بالاعتقاد والايمان بفكرة تعدد الآلهة وتقديس الملوك، بالإضافة إلى تقديس وعبادة الحيوانات، بما فيها الكبش والثور والأسد والقرود والثعابين (ظلت بعض هذه المعتقدات في المغرب إلى وقت قريب) حيث جسدوا فيها إيمانهم وارتباطهم بآلهتهم، فالشمس مثلا التي عبدها المصريون، قدسها المغاربة أيضا وتنبهوا إلى أهميتها وصلتها بالماء لإخصاب الأرض. وتظهر الصور الحجرية في المغرب رسومات المغاربة القدامى للكبش وعلى رأسه قرص الشمس..
وتورد المصادر كذلك أوجه التشابه في المعتقد حول طقوس دفن الموتى أو تقديم القرابين والسحر، وغيرها من العادات الاجتماعية والدينية التي تدل على تمازج بين حضارتي مصر والمغرب القديم.