لا ترتبط العيطة فقط بمغرب القرن التاسع عشر الذي أورثنا أشهر قصص الشيخات والقياد المتداولة. إنها أعرق بكثير وأكثر امتدادا في تاريخ البادية المغربية، وأبلغ تعبيرا عن نوع من التمازج بين ثقافتين شعبيتين محلية ووافدة.
ترتبط العيطة بتراث البادية المغربية خلال القرن التاسع عشر، على الخصوص، من خلال ما تواتر من قصص شهيرة لشيخات مع قياد متسلطين، خلدت أحداثا وعبرت عن نظام اجتماعي وسياسي في تلك الفترة. غير أن تاريخ العيطة في المغرب أعرق بكثير من هذه المرحلة، ولعلها تمثل مثل التعبير الفني الأكثر أصالة عن واحد من أهم الأحداث في تاريخ بلادنا، حدث وفود القبائل العربية أثناء وبعد الغزو الإسلامي للبلاد. في نفس الوقت يمثل هذا التراث الفني الشعبي تعبيرا للتمازج الثقافي الذي حصل لاحقا بين مكونات الثقافة البدوية العربية الوافدة، وبعض عناصر الثقافة البدوية الأمازيغية المحلية.
لعل هاتين الخاصيتين أهم ما تبرزه محاولة التأريخ لفن العيطة كما أنجزها الباحث حسن نجمي، في الجزء الأول من دراسته الغنية حول الموضوع. يرتبط موضوع العيطة، خلافا لأشكال أخرى من الثقافة الشعبية المغربية، بقضايا سجالية تتصل مثلا بالأحكام الأخلاقية والموقع الاجتماعي لـ«شيخات» العيطة في سياقات معينة، أو بتهميش وازدراء الثقافة الشعبية الشفوية عموما لحساب الثقافة العالمة المكتوبة. لكن بعض محاولات البحث العلمي في الموضوع، وخاصة محاولة نجمي، واستثمار تراث العيطة في التجارب الفنية مستحدثة خلال سبعينات القرن الماضي لمجوعات «ناس الغيوان» و«تاكدة» و«مسناوة»… ساهمت في إعادة الاعتبار لهذه الثقافة الشعبية الأصيلة وتوجيه الاهتمام أكثر نحو جوانبها الفنية والقيمية.
يونس مسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 18 من مجلتكم «زمان»