أثار كتاب “الإحياء” حفيظة الفقهاء المالكية الأندلسيين وألبوا الناس والسلطة ضده، ودفعوا أحد القضاء إلى إصدار حكم غيابي قضى بإحراق الكتاب وتكفير صاحبه.
عندما ألف أبو حامد محمد الغزالي كتابه “الإحياء” في المشرق، لم يكن يقصد توجيه مضمون كتابه لسلطة من سلطات الوقت بعينها خاصة المرابطية البعيدة عنه مجاليا، بل كان الغزالي يعد من المساندين لتأسيس الدولة المرابطية، وأفتى بنصرتها ضدا على ملوك الطوائف. وصل كتاب “الإحياء” إلى الأندلس، كأقل تقدير، ثمان سنوات قبل صدور الفتوى-الحكم بإحراقه، بما يفيد أن الفقهاء المالكية الأندلسيين، بعد مرور هذه المدة من الزمن، تنبهوا إلى أشياء وردت في الكتاب أثارت امتعاضهم، صرفوها عبر حكم قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن حمدين عرَّاب المحاكمة الغيابية القاضية بإحراق الكتاب وتكفير صاحبه، في سياق ثقافي أندلسي مطبوع بحساسية الفقهاء تجاه عدد من الاتجاهات الفكرية والمذهبية بما فيها التصوف. وظهر حكم إحراق “الإحياء” كقرار جماعي من فقهاء قرطبة بناطق رسمي”، ارتأوا أن الكتاب “يضر بالمسلمين”.
انتقادات عقدية وحديثية وفقهية
انتقد الفقهاء ما طبع “الإحياء” من أحاديث نبوية ضعيفة، بما يعد عيبا في التأليف. وانتقد قسم آخر منهم المنحى الكلامي “للإحياء”، واعتماده على الجدال والمناظرة العقلية التي قد تسيء إلى العقيدة، من وجهة نظرهم، خاصة أن أهل السنة، ومنهم فقهاء المرابطين، كانوا يَعُدُّون علم الكلام بدعة في الدين. وانْتُقِدَ “الإحياء” أيضا لعرضه آراء الفلاسفة والشيعة الباطنية وأقوال الزنادقة، ولو من باب دحضها، لما في ذلك من تشويش على عقول المتعلمين قد تؤدي بهم إلى المروق عن الدين. والانتقادان الأخيران، يؤكدان رفض العقلية الفقهية التقليدية لـ”شغب العقل”.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 54 من مجلتكم «زمان»