آمن المغاربة، ككل شعوب العالم قديما وحديثا، بخرافات اعتقدوا أنها جالبة للحظ والفلاح كما أنها جالبة للبؤس والدمار.
الخرافة أنواع، فمنها من يحاول تفسير الوجود والكون ومنها ما هو عبارة عن جينيالوجيا الآلهة والأبطال كما هو حال بعض الخرافات اليونانية والشرق-أوسطية. قد تهدف الخرافة، كذلك، إلى علاج المريض أو إسقام السليم. وهي تستعمل في الحرب للانتصار على العدو، وقد تكون فعالة على مستوى الواقع ضد هذا الأخير، خصوصا إذا كان ينتمي إلى نفس الحضارة ونفس الزمن السوسيولوجي. ترتبط الخرافة بالسحر والشعوذة ارتباطا وثيقا ولكنها، كما ذكرنا للتو، توظف في الخير كما في الشر، فهي قد تكون ترياقا لفقدان الحب وإرجاع الحبيب. كما قد يكون هدفها الحصول على منصب سياسي أو حظوة عند سلطان. لكن الخرافة ليست أداة لتحصيل منافع أو تفسير ما غمض واستشكل فقط، فهي كذلك فن وأدب رفيع يهدف أساسا إلى إمتاع القارئ أو المستمع، وإلى إثارة إعجاب الأطفال والكبار. الخرافة تشكل، كذلك، مرجعا مهما بالنسبة للمؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا. فإذا استطاع المؤرخ المتخصص أن يحدد العصر الذي ظهرت فيه -ثم أتاح له الأرشيف والرواية الشفوية متابعة مختلف تمظهراتها عبر الأزمان والمجتمعات- لتمكن من إفادتنا حول تطور العقليات من قرن لآخر ومن مجموعة بشرية إلى أخرى. إن الحكاية الخرافية قد تخبرنا، بشكل أدق، عن البنيات الذهنية التي سادت في عصر ما مثلا، مما يفعله المؤرخ الذي عاش خلال ذلك العصر. وذلك لأن الخرافة عمل جمعي أما النص التاريخي فهو في الغالب الأعم عمل فردي. كما أن التاريخ علم يُكتب عن وعي وله تقاليد وقواعد يلتزم بها المؤرخون ولا يحيدون عنها إلا استثناء، كما أن ما يكتبه المؤرخ قد يروق أو لا يروق قراء ذلك الزمان، ولهذا فإنه لا يمثل، في أحسن الأحوال، إلا قيم جماعة قليلة من المتخصصين في زمن ما. أما الحكاية الخرافية فإنها تُبدَع بحرية كاملة، فهي لا تحتاج لأرشيف ولا لقواعد علمية تكبح جماحها وتقص أجنحتها، أي أنها نتيجة محضة للخيال الجمعي، وهنا مربط الفرس: الخرافة تعبر، إذن، بدقة عن النظرة السائدة إلى العالم أو ما يسميه الفلاسفة بالفيلتانشونغ ولهذا فإنها مفيدة أيما إفادة لعلوم الانسان والمجتمع. هكذا، تتقاطع الخرافة مع العلم، أحيانا، ومع الأديان السماوية أحيانا أخرى. فقصة آدم وحواء موجودة بملحمة جلجامش وبملاحم وحكايات سومرية وبابلية، قبل أن تذكرها الكتب المقدسة للديانات الثلاث.
يركز الملف، الذي بين أيديكم، على المعتقدات والخرافات في المغرب قديما وحديثا. ففيه يتناول الأستاذ عبد العزيز أكرير خرافات القبائل التي تقدس الجبال والكهوف والعيون، بحيث اُعتبرت الأولى مقاما لبعض الآلهة، أما المغارات فكان يُعتقد أن الولوج إليها أو النوم بمخرجها يتيح الاتصال بالأرواح للعلاج من مرض مزمن، أو ليرى النائم في منامه شيئا يهديه لحل مشكلة عويصة، أو للتنبؤ بما سيحصل له في سفر أو زواج قادمين.
في استجواب حصري، مع “زمان”، يدفع الأنثروبولوجي المغربي بنمحمد قسطاني بأنه، ورغم إيمان المغاربة بالتعاليم الدينية وأصول الإسلام، فإن تصوراتهم للكون والمجتمع تشمل بقايا معتقدات قديمة لا شك أن بعضها يرجع لفترة ما قبل الديانات التوحيدية. قسطاني يشير، كذلك، إلى شيء بالغ الأهمية وهو أن المعتقدات المغربية تحتل محلا وسطا بين أساطير غرب آسيا والمعتقدات البدائية الإفريقية والأمريكية التي تعبر عن هلع الإنسان الكبير من الأدغال التي عاش في أعماقها آلاف السنين.
معطي منجب
تتمة المقال تجدونها في العدد 50 من مجلتكم «زمان»