أنتج المغاربة القدامى أنواع خاصة بهم من المنبهات، فيما استوردوا أخرى، وبينما اختلفوا في التعاطي معها بحسب انتماءاتهم الاجتماعية، لم يكن الفقهاء على قلب رجل واحد.
قد تشكل المنبهات لمستعملها أداة انتشاء، أو آلية للهروب من عوالم “قاسية” إلى أخرى “مثالية”، ولو في لحظات عابرة. قد تكون ملاذا أو وسيلة لتحقيق سعادة ما، لكنها قد تكون أيضا، أو يكون جزء منها على الأقل، مصدر علل وأمراض. وبقطع النظر عن الغاية والوظيفة والتبعات، تبقى المنبهات، والتي قد تعني كل ما من شأنه زيادة النشاط الوظيفي للجسم أو الذهن، من أشربة كحولية وقهوة وشاي، ومختلف أنواع المخدرات، شيئا لازم الإنسان منذ القديم، وإن اختلف حضورها واستعمالها باختلاف الحضارات والأنماط الثقافية. ولأنها كذلك، فهي من الناحية العلمية والمعرفية تشكل موضوعا للبحث بالنسبة لباحثين من حقول معرفية مختلفة، قد تبدأ بالتاريخ ولا تنتهي بالطب مرورا بالاقتصاد والأنثربولوجيا والبيولوجيا، وغيرها من التخصصات العلمية.
لا شك أن المغاربة القدامى قد أنتجوا أنواع خاصة بهم من المنبهات، أو اكتشفوها صدفة وطوروا تدريجيا شكل استعمالها. بينما دلفت منبهات أخرى بلاد المغرب في ظروف وسياقات متفاوتة، حملت بعضها القوافل التجارية، وأخرى الحملات العسكرية، فيما ارتبط دخول أخرى بديناميات متغيرة في الزمان والمكان، لا ترتبط بالضرورة بالحرب ولا بالتجارة. تفاوت انتشار هذه المنبهات بين جهات المغرب، ومدى إقبال الناس عليها، باختلاف أنواعها، والحاجة إليها، وإمكانية الحصول عليها. نفس الشيء ارتبط بتنوع الشرائح الاجتماعية التي تعاطت أنواع مختلفة من المنبهات، فللعامة منبهاتها وللخاصة أنواعها الجيدة منها. وبين الفئتين الاجتماعيتين، يحضر موقف الفقهاء، الذين لم يكونوا بدورهم على قلب رجل واحد في الموضوع، تحريما أو جوازا. خاصة إذا علمنا أن بعض أنواع هذه المنبهات، استعملت في البداية كمادة للتطبيب أو التخدير الذي يحيل على المُسكن وليس على المسكر. بينما منها من تحول من مشروب نخبوي، ووجه بدوره ببعض فتاوى التحريم، إلى مشروب شعبي لا حرج في تناوله، كما هو حال القهوة والشاي.
اختلفت المعايير في تقييم الفقهاء لكل صنف من المنبهات، وتفاوتت آراؤهم، باختلاف فهمهم وتأويلهم للنصوص الدينية المرتبطة بالموضوع. كما تفاوت شكل تعاطي الناس لها، بين من لم يجدوا حرجا في تناولها جهارا، وبين من ركنوا إلى السترة والتخفي كلما عنت لهم فكرة الإقبال عليها. تعقدت الأمور أكثر حين انتقل الأمر من “النشوة” إلى “المعقول” خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. صحيح أن المغرب لم يعرف حرب الأفيون كما عرفتها الصين، لكن موضوع الخمر والمخدرات حضر ضمن أساليب أخرى وظفها الأجانب لإرباك المخزن. ذلك أن تزايد استيراد الخمر لم يضر فقط بالميزان التجاري، المختل أصلا، بل أتاح هامشا أكبرا لمزيد من عربدة المحميين، وتعقيد عملية استتباب الأمن في المدن، وانتشار ثقافة جديدة متمردة عن النمط السائد. ولما أصبح الاستعمار أمرا واقعا، حاول ليوطي أن يقنن الأمر، انسجاما ومبدأ الحفاظ على العوائد، لكن الممنوع المرغوب كان دائما ما يجد له زبناء، حتى في لحظات دعوة الحركة الوطنية للمقاطعة. وبعد حصول البلاد على الاستقلال، عاد المشرع المغربي إلى اقتراح نصوص وقوانين في الموضوع، كثيرا ما تراجع أو تُحين تبعا لمتغيرات العصر.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 25من مجلتكم «زمان»