حاول المغاربة الأقدمون، أو أبناء مازغ، النهل من الإسلام لصياغة فهم خاص له، كما حاولوا أقلمة معتقداتهم الدينية مع تصورات دين محمد.
في علاقة المغاربة بالإسلام، يحضر التاريخ بشكل كبير وتصدق مقولة «كل تاريخ هو راهن». والأصل في هذا الإقرار، ما يطبع العالم الإسلامي الراهن من تنوع في فهم الإسلام وفي أساليب تنزيله على أرض الواقع. وفي هذا تتناسل الأسئلة: ألا تختلف تصورات الأفغان أو الشاميين أو السعوديين أو الإيرانيين للإسلام عن تصوراتنا اتجاهه؟ ألم يسمح هذا الاختلاف بإنتاج أشكال متعددة ومختلفة في تنزيل الإسلام المعياري في واقع هذه المجتمعات؟ تلك بعض من الأسئلة التي دفعتنا في مجلة «زمان» إلى العودة إلى التاريخ في محاولة لفهم تصورات الإسلام عند الأمازيغ المغاربة باعتبارهم تقبلوا الإسلام، قبل أن تتتالى الهجرات العربية، وتحمل معها منظورها لهذا الدين. للإجابة عن بعض من قضايا هذا الملف، كان لابد من الكشف عن البدايات الأولى لوصول الإسلام إلى المجال المغاربي، ومنه المغرب الأقصى، لمعرفة كيف بدأ الإسلام ينتشر بين صفوف الأمازيغ؟ هل تم ذلك بالقوة أم بالاقتناع؟ وغيرها من الأسئلة التي تبدو بديهية، لكن الإجابة عنها عسيرة.
عندما بدأ وصول الإسلام إلى المغرب، لم يكن المجال المغربي خلوا من الديانات التوحيدية اليهودية أولا والمسيحية ثانيا. ومن دون شك، أن هاتين الديانتين مهدتا، بشكل أو بآخر، لتقبل بعض من الأمازيغ للإسلام، في ظل الإيمان بالإله الواحد وإن كانت الطقوس الدينية التي تنعت بالوثنية ظلت مستمرة.
الأكيد أن الإسلام لم ينتشر دفعة واحدة بين الأمازيغ، وإنما تطلب ذلك ردحا من الزمن، ليس بالقصير، وأخذ الأمازيغ يتفاعلون مع الإسلام حسب فهمهم، وحسب السياقات التاريخية ذات الخلفيات السياسية التي دفعت بعضا منهم إلى اتباع مذاهب إسلامية مخالفة تماما لمذهب الخلافة في المشرق، وما تجربة الخوارج في سجلماسة إلا نموذج بارز في هذا الاتجاه.
حاول بعض الأمازيغ النهل من الإسلام لصياغة فهم خاص له، أو محاولة تكييف معتقداتهم الدينية مع تصورات إسلامية، فكان أن ظهرت التجربة البرغواطية التي ما زال الغموض يكتنف العديد من تفاصيلها بالنظر إلى طبيعة المصادر التي كتبت عنها، وغياب القرآن الذي كتبه مرشدها وملهمها، وهو الكفيل، لو توفر، بتسليط الضوء على فهم بعض المصامدة للإسلام، وتكييفه مع معتقداتهم.
لم يكن سهلا على التصور المشرقي للإسلام الذي أتى به المسلمون العرب، أن يلغي بجرة قلم، إن صح التعبير، الأعراف التي دأب الأمازيغ على تسيير شؤونهم الدنيوية بواسطتها، فكان لزاما على العرف والشرع أن يتكيفا مع بعضهما البعض، لاسيما أن الإسلام يقر بالعرف كأحد روافد التشريع، وزاد هذا التكيف رسوخا بعد أن تبنى المغاربة، مع أول تجربة للدولة المركزية في المغرب التي قادها أمازيغ صنهاجة (المرابطون)، للمذهب السني المالكي، بعد حقبة من التعدد المذهبي كانعكاس للتشرذم السياسي الذي كان سائدا، وإن لم يعرف المجال المغربي صراعا مذهبيا كما كان عليه الحال في المشرق الإسلامي.
كان لابد أن نتساءل عن سبب هيمنة المذهب المالكي على المجال المغربي، وتبني الأمازيغ المغاربة له، إلى حين أن تَقَعَّدَ تماما في المغرب خلال الحقبة المرينية التي قادها الأمازيغ الزناتيون، وما زال إلى اليوم، فكان أن سلطنا الضوء على أهم عنصر في الموضوع وهو الأخذ بالعمل كأحد أصول هذا المذهب، باعتبار أن العمل يراعي تبدل الأحكام بتغير الزمان والمكان، ويسَّر التكيف بين الإسلام النظري وأعراف الأمازيغ عبر تبني القول الضعيف والإفتاء به، رعيا لمصلحة المجتمع وما تقتضيه أحواله الاجتماعية. حتى إن كثيرا من المسائل جرى بها العمل مخالفة للنصوص مخالفة صريحة.
محمد ياسر الهلالي
تجدون تتمة المقال في العدد 18 من مجلتكم “زمان”