في هذا الحوار يحدثنا الباحث المتخصص، المهدي السعيدي، عن التاريخ المبكر لنشأة المدارس التعليمية بالمغرب والأدوار المنوطة بها، كالمدارس الخاصة المنعزلة عن سلطة الدولة، ثم المدارس التي أشرف عليها جهاز المخزن، بالإضافة إلى طبيعة المواد التعليمية بها، وذلك منذ دخول الإسلام إلى المغرب، وصولا إلى فترة الحماية وما ترتب عنها.
لنبدأ بالتساؤل عن التعليم المبكر بالمغرب: هل بالفعل ظهرت المدارس مع دخول الإسلام وانتشاره بالمغرب، وماذا عن التعليم عند الأمازيغ؟
أشكركم جزيل الشكر على استضافتي في رحاب مجلة “زمان“ المغربية المهتمة بنشر المعرفة التاريخية وترويجها، وجعل المهتمين وعموم المثقفين، يفكرون – من خلال ما تنشر من موضوعات مهمة وثرية – في ماضي قطرنا المغربي، وكيفية استلهامه والاستفادة منه في فهم مشكلات الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. لقد كانت المدارس المبكرة في المغرب هي المساجد التي ترافق تأسيسها مع دخول الإسلام إلى البلاد فكانت المساجد دور عبادة، ومراكز تعليم وتدريس، ومؤسسات اجتماعية وفكرية وثقافية، وتذكر المصادر التاريخية ومنها كتاب “البيان المغرب“، لابن عذاري قول الشيخ أبي علي صالح ابن عبد الحليم: «لم يصح عندي أن عقبة رضي لله عنه حضر بنيان شيء من مساجد المغرب، إلا مسجد القيروان ومسجدا بالسوس الأقصى». ويرجح كثيرون أن المقصود مسجد ماسة الذي غمره البحر وصار تحت رماله، كما أن هناك إشارات أخرى في مصادر تاريخية تدل على تحويل معابد قديمة بعد الإسلام إلى مساجد، مثل مسجد أغمات بحوز مراكش، الذي كان معبدا للنصارى ثم حولت قبلته بعد الإسلام، حسب ما ذكر مؤلف كتاب “دلائل القبلة“. لقد بدأ بناء المساجد في فجر الدعوة الإسلامية بالمغرب، فانطلقت به حركة التعليم الشعبي، التي كانت تستهدف تلقين المسلمين الجدد مبادئ الدين، وتعليمهم الشعائر والعبادات، وأسس الأخلاق والمعاملات، وهو ما نعرفه في عصرنا بالوعظ والإرشاد، كما أن طائفة من المغاربة المسلمين الأوائل اتجهوا إلى التعمق في معرفة الإسلام فتعلموا العربية، وربما رحل بعضهم إلى المشرق للحج وللدراسة بمعاهد الحضرية الكبرى في الحجاز ودمشق.
إلى ذلك، فإن بعض الخلفاء الأمويين اهتموا بعد ذلك بإرسال العلماء إلى أقطار المغرب لتعليم الناس، وخاصة الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي بعث عدة فقهاء زمن ولاية عبد لله بن أبي المهاجر على المغرب، فكان نتيجة ذلك – حسب ما تشير إليه المصادر التاريخية كابن عذاري في “البيان المغرب“، والدباغ في “معالم الإيمان“ والمالكي في “رياض النفوس“- إسلام خلق كثير من المغاربة.
وماذا عن المدارس المبكرة قبل إنشاء القرويين؟
لا شك أن مساجد عدة شيدت بالمغرب قبل القرويين، وشهدت حلقات للتعليم والتربية، خاصة تلك المدعومة من الإمارات الأولى الناشئة بالمغرب منها كإمارة بني صالح بالنكور، وإمارة بني مدرار الخوارج الصفريين بسجلماسة، وإمارة الخوارج ببورغواطة قبل أن تتحول إلى دين البورغواطية الذي وضعه صالح بن طريف، وهذه البيئة المذهبية التي اتسمت بالجدال العقدي والصراع الحربي كانت في حاجة ماسة لمن يعضدها من أهل المعرفة والعلم والتعليم، وما مجال هؤلاء سوى المساجد يبث منها أهل كل مذهب فكره ويدافع عنه ويحاول إفحام خصومه والنيل منهم، في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ المغرب أواخر العصر الأموي، وأذكر هنا أن الأستاذ المنوني كان يلهج أواخر عمره بمشروع هام جدا –لم يُلتفت إليه للأسف– مفاده أنه وقف في المشرق العربي خاصة باليمن وعمان على وثائق ونصوص مازالت مخطوطة، تضم إشارات هامة إلى حركة علمية تعليمية مبكرة بالمغرب في تلك العصور الأولى، فكان الأستاذ المحقق يدعو الباحثين إلى الاهتمام بهذا المجال وإرسال بعثة علمية لجمع تلك النصوص ودراستها ونشرها.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 126 من مجلتكم «زمان»