دأب المغارب على التعامل مع الماء سواء في فترات الشدة أو الرخاء بنوع من التقدير والتقديس. فبالرجوع إلى التاريخ القديم، نجد أنهم قدسوا كل ما يتصل بالماء بل عبدوه .ولم تندثر بعض معتقداتهم وطقوسهم، وظلت قائمة إلى زمننا الراهن.
في السنوات الأخيرة، أضحى المغرب يواجه خطر ندرة المياه في المناطق التي اعتادت وفرته، نتيجة تقلبات المناخ وقلة التساقطات المطرية. وإلى جانب ظاهرة اختفاء الواحات بجنوب المغرب، باتت البحيرات والأودية نفسها على وشك الاختفاء إذا استمر الوضع على حاله. تنقلنا هذه المخاطر و“التوقعات“ إلى الحديث والبحث في أهمية الماء في المتخيل المغربي، فإلى جانب كونه وسيلة أساسية في الحياة، فقد نسج المغاربة حول الماء معتقدات وطقوسا جعلته في مرتبة المقدس والمؤلّه.
يثير موضوع الماء اهتمام العديد من الباحثين في عدة حقول معرفية، لكن داخل حقل الأنثروبولوجيا، باعتباره حقلا علميا يرصد معتقدات وسلوكيات المجتمعات، فإن الدراسات التي قاربت الموضوع وعلاقته بالمقدس والمدنس، حسب الباحثة حنان حمودا، فهي «نادرة وقليلة لكونه يبقى من المواضيع المركبة والمعقدة، التي تتدخل فيها خصائص عديدة، منها ما هو صحي وديني واجتماعي وثقافي، يصعب فصلها فصلا تاما عند عملية التحليل». وإذا مررنا على حقب مختلفة من تاريخ المغرب، نجد أن الناس مارسوا وما يزالون مجموعة من الطقوس تحمل دلالات ثقافية يكون فيها الماء وأماكن تواجده «هو المحدد الأساس لسلوكهم الاجتماعي».
في أطروحتها حول “الماء وصناعة المقدس“، تضيف الباحثة الأنثروبولوجية أن مجموع الأشكال التعبيرية التي يتم إنتاجها وتصريفها في الأماكن المائية، ترمز لطبيعة «التصورات التي يتم نسجها حول مواضيع الطبيعة (الماء)، وفق حالة الطبيعة وهيئتها التي ارتبط بها الإنسان المغربي في الماضي القديم، واعتبرها منبعا للقوة الخارقة والغيث، وبالتالي قدَّسها وعبدها وجعل من أمكنتها مزارات مقدسة».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 125 من مجلتكم «زمان»