لم يبلغ الأربعين بعد، لكن لديه بالفعل الكثير ليحكيه. محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والاتصال في الحكومة التي يرأسها عزيز أخنوش، منحنا الوقت للحديث عن قصص من التاريخ. الأولى من تاريخه هو، وتاريخ والديه الذين انخرطا، لفترة طويلة، في معارضة الحسن الثاني، قبل أن يلتحق بحزب الأصالة والمعاصرة. ويشرح بالتفصيل القوى الدافعة وراء هذا المسار السياسي المبكر وغير المسبوق. كما يتحدث عن تاريخ المغرب وتراثه اللذين يتعرضان للتهديد في بعض الأحيان. ويتطرق، أيضا، إلى قضية “الزليج”، الحلقة الأخرى في مسلسل العداء الجزائري، وإلى آليات الحماية المتاحة في المملكة. لا يتردد بنسعيد في الدفاع عن سجله باعتباره المروج الرئيس للثقافة المغربية، ومحاور الشباب، والضامن لاستمرار الصحافة بدعم من الدولة…
التقينا بكم في الصويرة على هامش مهرجان كناوة الأخير حيث كنتم بصحبة عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. نعلم أن هناك اكتشافا أثريا مهما على وشك الإعلان عنه، هل يمكن إخبارنا بالتفصيل؟
علينا أن ننتظر المجتمع العلمي حتى يتحقق من صحة الاكتشافات قبل أن نتمكن من الإعلان عنها. حاليا، ما نعرفه عن هذا الأمر هو أنه في الواقع تجري أعمال أثرية مهمة في الصويرة والمناطق المحيطة بها. أنتم تعرفون بالفعل إمكانات موقع مغارة بيزمون في المناطق النائية من مدينة الصويرة، حيث تم اكتشاف أقدم الزخارف التي صنعها الإنسان. وعلى مسافة أبعد قليلا، تجد موقع إيغود التاريخي، حيث تم اكتشاف أقدم العظام المعروفة للإنسان العاقل، كما تم اكتشاف بقايا أثرية، مؤخرا، في منطقة الرحامنة، أُعْلِن عنها أخيرا. ويرى العلماء أن هناك استمرارية وتطورا بشريا في هذه المنطقة، كما أن هناك احتمالات للعثور على آثار لوجود جنسنا أقدم من تلك المكتشفة بالفعل. ولكن يجب أن نعطي المتخصصين وقتا، لأن عمليات البحث في هذا المجال يمكن أن تمتد لفترات طويلة.
تتزامن هذه الأخبار الأثرية الغنية مع الفترة التي زاد فيها المغرب بشكل كبير من مستوى اهتمامه بتراثه والحفاظ عليه. ما هي الإجراءات التي تتخذها وزارتكم لدعم هذا البحث الأثري؟
نرغب في الاستثمار في البحث الأثري بأقصى ما في وسعنا. وبشكل ملموس، ندرس إنشاء ملحق للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في منطقة الصويرة، وفي مناطق أخرى من المملكة ذات إمكانات أثرية عالية. علينا أن ندعم ديناميكية الباحثين والطلاب في هذا المجال لأن آفاق النتائج مشجعة للغاية. لا نركز اهتمامنا فقط على الحفريات الحالية، بل على جميع الأعمال القادرة على كشف الحجاب عن أجزاء من تاريخنا، وخاصة الفترات غير المعروفة مثل الفترة ما بين عصور ما قبل التاريخ والتاريخ، أو تلك التي سبقت وصول المسلمين إلى المغرب. تتمثل الفكرة، أولا، في أن ندرك تماما الثراء والتنوع المذهلين لتراثنا التاريخي، ومن ثم القيام بكل ما هو ممكن لتسريع الاكتشافات العلمية. وبفضل شراكاتنا مع الإدارات الأخرى، وخاصة مع الدرك الملكي في المناطق النائية، فإننا نبذل الجهود اللازمة للاستمرار في خدمة هذه القضية النبيلة. وينطبق الشيء نفسه على الاستثمار في المعدات التكنولوجية الحديثة التي نعتمد عليها بشكل كبير. وفي نهاية المطاف، نريد أن نجعل من المعهد الوطني للآثار مدرسة نموذجية للبحث الأثري، ليس فقط في المغرب، ولكن أيضا لصالح بلدان قارتنا التي ترغب في الاستفادة من هذه الخبرة التي نعمل على تطويرها.
دعنا نتحدث الآن عن مسارك الشخصي. لقد ولدت عام 1984 في بيئة مُسَيَسة بالفعل…
أنا أنتمي إلى عائلة مغربية مُحبة، دون أن أتغاضى عن اسم حزبي الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة. في الواقع، انغمست على الفور في السياسة، الأمر الذي ولد في داخلي ميلا إلى الشأن العام. جيلي هو جيل المغرب الذي لم يعرف لا أنترنت ولا هاتف، والذي كان يقضي أوقات فراغه بشكل مختلف كثيرا عن شباب اليوم. لكنه، أيضا، جيل عالم متحرك شهد سقوط جدار برلين ودخل حقبة جديدة.
شهد المغرب أيضا نقطة تحول في هذا الوقت حيث بدأ المواطنون النضال من أجل الكرامة وحقوق الإنسان. هذه حالة والدتكم سميرة كِناني، الناشطة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان…
هذا الفصل الجديد في تاريخ المغرب هو أيضا جزء من عالم أخل بالتوازن بين الإيديولوجيتين الكبيرتين في القرن العشرين. في الواقع، كان الناس، هنا وفي أماكن أخرى، يتطلعون إلى نموذج مثالي جديد يصبح فيه النضال من أجل حقوق الإنسان أحد رموزه. والدتي كانت منخرطة، بالفعل، في هذه المعركة التي كانت تشمل، كذلك، حقوق المرأة. والحقيقة أن جيل والدي كان يتطلع، أيضا، إلى المزيد من الحرية، ولكنه كان يطمح أيضا إلى المشاركة على المستوى السياسي. وبهذا المعنى، فإن الأمر يتعلق أيضا بالنضال من أجل تعزيز المؤسسات وفرض وجودها.
كان والدك، سمير بنسعيد، منخرطا أيضا في السياسة من خلال عضويته في “حركة إلى الأمام” الماركسية. هل كانت معركته أكثر إيديولوجية؟
تماما. لكن هذا الصراع الإيديولوجي ذاته تم تخفيفه في نهاية المواجهة بين الكتلتين، الشرقية والغربية. لذلك، كانت بداية التسعينات بمثابة انتصار للإيديولوجية الرأسمالية التي تنادي بحرية المبادرة والاستهلاك، إلى حد أن أصبحت ثقافة عالمية. ولذلك، كان من الضروري، بمن في ذلك والدي ورفاقه، التأقلم مع هذا التحول. لقد نجح في ذلك بسهولة أكبر لأنه عاش في فرنسا، التي كانت في ذلك الوقت بلدا أكثر انفتاحا على العالم وتغيراته.
كان والدك في فرنسا كمنفى سياسي. كيف عشت هذا الوضع عندما كنت طفلا؟
الحقيقة أننا لا ندرك حقا النضال والالتزام السياسي لآبائنا إلا في وقت لاحق. عندما التحقت بوالدي، كان عمري 10 أو 11 عاما فقط. على مدار أربع سنوات، حضرت بالفعل عددا من الاجتماعات والأنشطة التي تم تنظيمها في منزلنا. لكن في عمق الطفل، الذي كنته، لم أفهم حقا المعنى أو النطاق. وكذلك لم أستوعب أسباب وجوده في فرنسا؛ خاصة وأن السرية داخل عائلتنا كانت ضرورية. لم يكن الأمر غامضا على الإطلاق، ولكن تم تقليل التبادلات حول هذا الموضوع فقط، خاصة وأن عائلتي بأكملها لم تكن بالضرورة تشترك في نفس الحساسية السياسية والإيديولوجية. أما بالنسبة لي، فقد غذت هذه الرحلة ثقافتي السياسية. وبمجرد أن أصبحت بالغا، بدأت أفهم بشكل أفضل معنى التزام والديّ، ولكن أيضا التضحيات التي كان عليهما تقديمها.
هل هذا ما دفعك لدراسة العلوم السياسية وأيضا العلاقات الدولية؟
نعم جزئيا. كان من المهم بالنسبة لي أن أمتلك الأدوات اللازمة لفهم ليس فقط الطريقة التي يسير بها العالم، بل أيضا خيارات والتزامات الجميع. يكمن اهتمامي بالعلاقات الدولية، قبل كل شيء، في المكانة التي يمكن أن يحتلها المغرب على الساحة العالمية. فَهْم توجهنا الاستراتيجي من خلال الرؤية الملكية، وحيثما أمكن ذلك، يجعلنا قادرين على إيصال موقفنا بشأن هذا الموضوع. وكان هذا هو الحال أيضا عندما كنت عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (التي كان رئيسا لها بين عامي 2014 و2016، ملاحظة المحرر). وكانت الفكرة، بصرف النظر عن التوجهات التقليدية للدولة في هذا السجل، هي استكشاف سبل جديدة، مثل إقامة علاقات مع البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية في قارتنا. وهذا أيضا هو دور نواب حزب معارض مثل حزبنا وقتئذ. رغم كل شيء، وبالعودة إلى سؤالك، أعتقد أنه من الصعب اليوم في عام 2023 إصدار حكم على مواقف جيل آبائنا ونضاله. كانت الظروف التي كان عليهم مواجهتها مختلفة تماما عن اليوم. لقد قاد الجميع المعركة التي يعتقدون أنها صحيحة في زمنهم.
ما هو معنى أن تكون عضوا في حزب الأصالة والمعاصرة؟
حزبنا يمثل المغرب الحديث، من خلال عمله على الجمع بين جذور الأجداد وقيمهم بما يتماشى تماما مع المعاصرة. للحفاظ على مثل هذا التوازن، لدينا الفرصة للارتكاز على أساس متين، هو أساس النظام الملكي الذي يعود إلى تاريخ طويل. علينا أن ندعم هذا الضامن لقيمنا واستقرارنا كل يوم؛ وهذا أيضا هو معنى التزامي الآن. نحن نميل، على سبيل المثال، إلى تقليد النموذج الغربي وقيمه. ولكن يجب علينا أن نتذكر تماما أن بلدنا قد زرع، عبر تاريخه، قيمه الخاصة، مثل العيش المشترك الذي جمع بين الثقافات والأديان المتنوعة. هناك أيضا قيم التضامن التي تعني أننا ممتنون لوالدينا، وأننا لا نتسامح إذا كان مواطنونا يعانون من الجوع على سبيل المثال. بدون إنكار المبادئ التي يمكن أن تأتي من أي مكان آخر، يجب علينا أن نقدم لمغاربة اليوم شكلا من أشكال التوليف الذي من شأنه أن يجعل من هويتنا قوة.
إنني أعلق أهمية كبيرة على ما يمكن وصفه بـ”تمغربيت”، وأغتنم هذه الفرصة لأعلن لكم حصرا أن وزارتنا تعمل على عقد سلسلة من المؤتمرات يشارك فيها مثقفون وباحثون وأكاديميون وفاعلون من المجتمع المدني والسياسي، للعمل على التنظير لهذا المفهوم. ينبغي، في رأيي، أن تصبح هذه الفكرة، بمجرد توضيحها، جزءا من تراثنا المشترك، ويمكن أن تصبح أداة قيمة للأجيال القادمة. لقد أحرز بلدنا بالفعل تقدما كبيرا في هذا السعي لتحقيق العدالة والحماية الاجتماعية. يجب علينا أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد وأن ندرك فوائد الرؤية الملكية التي ترافق تنمية المغرب بشكل ناعم.
ما هو الدور الذي يمكن أن تضطلع به الثقافة في عملية الانتقال السياسي هذه؟
لا يمكنك استهلاك الثقافة عندما تكون اهتماماتك ذات الأولوية هي توفير الأمن الغذائي لعائلتك، والحصول على الرعاية الصحية والتعليم. لكن عندما تضمن الدولة أسس العيش الكريم، فإن إنفاق الأسرة سيتجه حتما إلى الترفيه والسفر والقراءة والسينما والمسرح… هذا هو النظام الطبيعي للأشياء. نحن في وزارة الثقافة، ندرك هذا المنعطف الثوري في التاريخ الاجتماعي للمغرب. ولهذا السبب، فإننا نستعد للمستقبل من خلال وضع الخطوط العريضة لما يمكن أن يصبح صناعة ثقافية. لأنه غدا، عندما نصل إلى المرحلة التي سيكون فيها استهلاك الثقافة محل اهتمام جميع المغاربة، سيتعين على سوق العروض الثقافية أن تتكيف مع احتياجات السكان في هذا المجال. لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، لكن من الخطأ ألا نتوقع المستقبل، خاصة وأن الثقافة ستصبح، وأنا مقتنع بذلك، قوة دافعة للاقتصاد الوطني.
في عام 2008، من خلال تأسيس حركة “الشباب الديمقراطي المغربي”، أصبحت معروفا لدى الجمهور العام. ما هي طموحاتك حينها؟
من المفيد أولا توضيح أن هذه الحركة، التي أنشأها عدد من الطلاب المغاربة في الخارج، تم إطلاقها قبل “حركة كل الديمقراطيين” (التي كانت أصل إنشاء حزب الأصالة والمعاصرة). وهذا يعني أننا لم نكن حينها نبحث عن مكان لنملأه في المشهد السياسي المغربي. لقد اتصلنا بأعضائها بشكل عفوي، واستجابوا لنا بشكل إيجابي، وهذا دليل على أن بعض القادة السياسيين المغاربة تمكنوا من التواصل مع الشباب. كانت بالنسبة لنا إشارة تدعونا بدورنا إلى الاهتمام ببرنامجهم والمشروع الاجتماعي الذي يدافعون عنه. وأذكر أن “حركة كل الديمقراطيين” كانت تتمتع بوضع جمعية، وكان بعض أعضائها ينتمون إلى أحزاب سياسية أخرى. لقد كان تقاسم قيم معينة ورؤية مشتركة هو ما جمعنا معا لنصبح بعد ذلك أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة. بالنسبة لي، كان هذا الاندماج طبيعيا تماما، بمعنى أنني تماهيت مع هذا الطموح المتمثل في بناء مغرب جديد على أساس مفهوم “تمغربيت” الذي ذكرته سابقا. أتذكر أننا في البداية، عندما كنا في الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من عمرنا، استمتعنا بتجسيد جزء “الحداثة” فقط من اسم الحزب، وترك جانب “الأصالة” للأكبر سنا. لكن مع مرور الوقت، ومع التقدم في السن، فهمت بشكل أفضل الفارق الدقيق في هذا التوازن وأهمية تعزيز الجذور التي تجعل منا مغاربة اليوم.
هل واجهت صعوبات داخل حزبك السياسي؟
نعم وهذا طبيعي تماما. في السياسة الصراع دائم. وفيما يتعلق بحزب الأصالة والمعاصرة، فقد كان بطريقة ما ضحية لهويته ذاتها، أي تلك التي تتكون من جمع عناصر كانت متفرقة بين الأحزاب التقليدية. وقد أصبح هذا الجمع بين الحساسيات المختلفة، في رأيي، قوة حزبنا اليوم. أعتقد أن العالم، ونحن معه، قد خرجوا من عصر صراع الإيديولوجيات السياسية. وهذا يعني أنه من المستحيل اليوم مقاومة التناقضات بين حياتك اليومية والتزاماتك الإيديولوجية العميقة.
لا أريد أن أكون هذا المحافظ والمدافع الشرس عن التعريب، والذي في الوقت نفسه يسجل أبناءه في مدارس أجنبية. لا أريد أن أكون ذلك الشيوعي الذي يقود سيارة بسيطة ثم يستسلم لكل إغراءات النزعة الاستهلاكية. ومن خلال جمع حزبنا تحت راية القيم المشتركة وليس الإيديولوجية، أعتقد أنني سأتجنب ما يمكن أن تسببه لي هذه التناقضات، وأكون متماشيا مع واقع عصرنا واحتياجات المواطنين. ومع ذلك، يجب ألا نثبت على يقيننا، وندرك أن العالم يتحرك بسرعة كبيرة. على سبيل المثال، أحاول التكيف مع شباب اليوم، الذين يفكرون بالفعل بشكل مختلف تماما عن الجيل السابق.
أنت وزير الشباب، أيضا، ما هي خططك للاستماع إلى هذا الجيل الجديد؟
عندما عُينت لشغل هذه الوزارة، طرحت على نفسي السؤال الآتي: “ماذا كنت أتمنى أن تفعله الدولة لي عندما كان عمري 16 أو 17 أو 18 عاما؟”. خلصت إلى ضرورة التواصل لفهم الاحتياجات الحقيقية للشباب، علما أن تلك الاحتياجات ليست جميعها متشابهة. فعندما يفكر البعض في وسائل دفع تكاليف دراستهم، يفكر البعض الآخر، على سبيل المثال، في كيفية التسجيل للحصول على مهنة كلاعب كرة قدم محترف. عليك أن تستمع للجميع. وبهذه الروح، أنشأت الوزارة تطبيق “Pass Jeunes” (جواز الشباب)، الذي يتطلب استخدام التقنيات الجديدة، وهو مخصص لهم، ويهدف في المقام الأول إلى إعلام هؤلاء الشباب بالإمكانيات التي توفرها لهم الدولة. على سبيل المثال، من المفيد معرفة أن هناك خدمات مجانية مخصصة للعناية بالأسنان للشباب، الذين لا يضعونها ضمن أولوياتهم بشكل عام. وبالتالي، فإن الفكرة هي التعريف بما هو موجود بالفعل لدى الجمهور، ونحن نعمل أيضا على إدراج الخدمات التي توفرها المؤسسات الخاصة. من المهم بالنسبة لنا، أن نجعل الشباب يفهمون أن الدولة معهم، وقبل كل شيء، أن يفهموا أنه لا حدود لأحلامهم وطموحاتهم. أريد أن تكون الإجابة عن السؤال “هل يمكن لشاب مغربي أن يحلم بقدر ما يحلم به شاب أمريكي؟” بـ”نعم”. بطبيعة الحال، لن ينجح الجميع، ولكن يجب أن يتمتع الكل بالحق والوسائل التي تمكنهم من الإيمان بذلك. خاصة وأن عولمة الأسواق اليوم تعني أنه يمكن لأحد شبابنا أن ينجح تماما في إنشاء تطبيق يمكن أن يروق لجزء مختلف تماما من العالم. يحتاج الشباب إلى الثقة والقدوة أيضا. شاهد المحاكاة المذهلة التي أعقبت مسار المنتخب الوطني لكرة القدم خلال بطولة العالم الأخيرة. إذ تواجه الأندية الوطنية، اليوم، موجة عارمة من المرشحين خلال اختبارات الكشف الصيفية. يحضر هذا أيضا في مجالات أخرى، والشيء الرئيس بالنسبة لنا هو ترسيخ هذه النسخة من الحلم.
باعتبارك وزيرا للتواصل أيضا، فأنت مسؤول عن قطاع الصحافة، الذي يبدو أنك تقف بجانبه خلال هذه الفترة من الأزمة. ما المكانة التي توليها الدولة لصحافتها الوطنية؟
قبل الإجابة عن سؤالك، أود أن أشاركك مشاعري تجاه ممارسة القراءة في المغرب بشكل عام. كثيرا ما أسمع أننا نحن المغاربة نقرأ أقل فأقل مع مرور الوقت. في الواقع، أنا لست متأكدا من ذلك. وبفضل محاربة الأمية، أصبح عدد أكبر منا قادرا على القراءة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شكل القراءة هو الذي يتغير، خاصة مع ظهور العصر الرقمي، مما يعني أن الناس يقضون الكثير من الوقت في القراءة على الشاشات. أما بالنسبة للشكل الورقي، فإن أداء القطاع ليس سيئا للغاية نظرا للأرقام الصادرة، على سبيل المثال، عن المعرض الدولي الأخير للكتاب الذي أقيم في الرباط والذي تمكن من تحقيق رقم مبيعات قدره 100 مليون درهم في شراء الكتب. وفيما يتعلق بمسألة ما يمكن أن تفعله الدولة، فمن الضروري في رأيي أن ننظر إلى الحالة الملحة للبنى التحتية المخصصة للعرض الثقافي المرتبط بالقراءة. التحدي، الذي يواجهنا، لا يتمثل في بناء أكثر من 600 مكتبة بلدية يديرها وزير الثقافة أو وزير الأوقاف، ولكن في فهم كيفية تنشيط هذه المكتبات، الوحيدة القادرة على تقديم عرض القراءة للسكان، وخاصة أولئك الذين يعيشون في تلك المناطق النائية. أعتقد أن إحباط مواطنينا يتفاقم بسبب حقيقة وجود مبنى جميل في بلدتهم يسمى دار الثقافة والشباب، لكن لا شيء يحدث هناك، أو ما يحدث قليل جدا. لهذا السبب، نركز اليوم كل الوسائل المتاحة لنا لإضفاء الحيوية على المكتبات ودور الشباب من خلال تكريس عملية تنشيط حقيقي، وهي الطريقة الوحيدة لجعلها مفيدة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص. ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار الثقافة من اختصاص الشأن العام. يعاني المغرب من نقص صارخ في المكتبات، خاصة في المدن الصغيرة والمتوسطة. ونحن نعلم جيدا أنه لسوء الحظ ليس من المربح اقتصاديا مباشرة بناء مكتبات جديدة. ولهذا، يجب أن نفكر في إدراج تجارة الكتب هذه في نظام بيئي أكثر شمولية للاستهلاك الثقافي، وأكثر ربحية.
كيف تخططون لتحقيق ذلك؟
من خلال خلق تآزر يشمل جميع الجهات الثقافية الفاعلة في بلدنا. لنأخذ على سبيل المثال صناعات ألعاب الفيديو أو السينما أو حتى الموسيقى، والتي تعد المولدات الرئيسة للدخل في هذا القطاع. إذا تمكنا من أن نصبح مبدعين لألعاب الفيديو، بعد أن كنا أول المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكننا دعوة المصممين وكتاب السيناريو الذين يأتون من الأوساط الفنية والفكرية لإنشاء محاكاة تشمل أكبر عدد ممكن من الفاعلين الثقافيين. هذا النهج صالح تماما، أيضا، لمحترفي السينما الذين يمكنهم إنشاء جسور مع العاملين في المسرح على سبيل المثال. وفيما يتعلق بالحالة الأخيرة، فإننا ندفع لرؤية ظهور نماذج جديدة، كما هو الحال في الدار البيضاء حيث يسمح مقهى المسرح اليوم لهذا المكان بالاستمرار بفضل تقديم العديد من الخدمات لزبنائه. لا ينبغي اعتبار الثقافة عبئا على الدولة دائما، بل على العكس من ذلك، يجب اعتبارها وسيلة للنهوض بالمغرب في مجالات أخرى. في بعض البلدان، تجاوزت الصناعة الثقافية لفترة من الوقت صناعة السيارات على سبيل المثال. وهذا ينبغي أن يلهمنا. في الولايات المتحدة، التي أصبحت اليوم مهيمنة على نشر الثقافة في العالم، لا توجد وزارة للثقافة، بل فقط مؤسسات وفاعلون خواص كبار.
لنعد إلى حالة الصحافة، التي تتلقى الدعم بشكل متزايد من الدولة. ألا يخلق هذا الوضع تبعية على حساب أجهزة الصحافة الوطنية؟
وجود صحافة حرة ومستقلة شرط لا غنى عنه لبناء الديمقراطية. ولهذا فقط، تقدم الدولة المساعدة لقطاع يعاني منذ أزمة كوفيد-19. منذ البداية، وضعنا أنفسنا إلى جانب الصحافيين، الفاعلين الرئيسيين في الإنتاج الصحافي. وهم من قررنا دعمهم في المقام الأول للتغلب على هذه الأزمة من خلال المساعدة في دفع رواتبهم. وخلافا للاتهامات التي تجعل الدولة مستفيدة من هذا النوع من السيطرة على وسائل الإعلام، أذكر أن المغرب، على العكس من ذلك، يحتاج إلى صحافة قوية ومسموعة على المستوى الوطني، بل والدولي أيضا. لأنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى، فإن دور وسائل الإعلام لفائدة المصلحة الوطنية أمر بالغ الأهمية. لا أحد ولا جهة يمكنهما أن يمنعا الصحافة من القيام بدورها وانتقاد الحكومة. وأنا كوزير مستعد لمواجهتهم، إذ أعتبر حرية الصحافة أساس قواعد اللعبة الديمقراطية. وأذكر أيضا أن دعم الصحافة كان موجودا، دائما، في المغرب كما في أماكن أخرى، وهو ما تحكمه القوانين والمراسيم. إن استقلال الصحافة يعتمد أكثر على شجاعة الصحافيين وجودتهم، وليس على دعم الدولة. نتحدث اليوم عن الاستثمار في الصحافة لمساعدتها على التطور وعلى أن تعكس واقع عصرنا، بدلا من دعمها، وهو ما يبدو وكأنه مساعدة ثابتة. الزخم الذي ندعمه الآن يتكون من محاربة الأفكار المسبقة التي تعني أن الصحافة مهددة بالمنافسة من الشبكات الاجتماعية والمدونات على الأنترنت. هذا ليس الواقع الذي أراه. خلال أزمة كوفيد-19، عندما يبحث الجميع عن معلومات جيدة وحقيقية، يلجأ الناس إلى الصحافة المهنية. الإعلاميون الأكثر جدية هم الذين كان لهم الفضل على هذا الجمهور، وليس المنصات التي تنقل أحيانا «أخبارا كاذبة».
في الترويج لتراثه، شهد المغرب مرحلة غير مسبوقة حيث كان عليه أن يدافع، ضد الجزائر، عن أبوة تسمية “الزليج”. اشرح لنا أصول هذه القضية واستراتيجية الدولة في مواجهة مثل هذا التهديد؟
دعونا نشير، أولا، إلى أن محاولات نهب التراث يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة. على المستوى التجاري البحت، كان على المغرب بالفعل التعامل مع شركات متعددة الجنسيات حاولت الاستفادة من الفنون المغربية، وكان هذا هو الحال مؤخرا مع “أديداس” و”كريستيان ديور”، أو قبل ذلك مع شركة ألمانية لم تتردد في استخدام اسم “زليج فاس”، في الوقت الذي تم التصنيع بالكامل على يد حرفيي فاس. في هذا النوع من الحالات، توجد حلول، ويتم العثور على حلول بسهولة لحل المشكلة بشكل عام. ومن ناحية أخرى، في الحالة التي ذكرتها، فهي ليست أكثر ولا أقل من محاولة لسرقة دولة، أو تراث دولة أخرى. نحن هنا، بالتأكيد، أمام رافعة ثقافية، ولكن على خلفية التنافس والمصالح السياسية البحتة. أقول لكم بكل مسؤولية، إن الجار الشرقي يعتقد أن من مصلحته خلق هذا التنافس السياسي لإقامة نوع من الديناميكية المواتية وسط مجتمعه. ولذلك، فهي مناورة أعتبرها داخلية، لكن المغرب ضحيتها. ولأسباب مرتبطة ببقائه، يحتاج هذا النظام إلى خلق أعداء، ويعتبر كل الوسائل جيدة لمناوراته، وهي المناورات الوحيدة القادرة، كما يعتقد، على تحويل مواطنيه عن المطالب الأساسية. قبل بضع سنوات، عندما كانت العلاقات بين المغرب والجزائر أكثر هدوءا، لم يكن هذا الخطاب موجودا. على العكس من ذلك، لم يتردد القادة في الإشادة بتميز الصنعة المغربية، بل ولدينا فيديوهات تشهد على ذلك. إلى متى سيستمر هذا العداء تجاهنا؟ لا أعرف. ومن ناحية أخرى، وفي هذه الأثناء، نحن يقظون للغاية بشأن حماية تراثنا، ولهذا السبب فإن هذه الحكومة هي أول من أدرج التراث غير المادي في القانون المتعلق بالتراث. علاوة على ذلك، يجب علينا أيضا أن نسعى إلى حماية المنظمات الإقليمية مثل إيسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) والمنظمات الدولية مثل يونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) التي تربطنها بها علاقات ممتازة. وقد تم بالفعل تنفيذ آليات حماية أخرى، مثل إنشاء علامة المغرب، وهي نوع من العلامات المسؤولة ليس فقط عن تسليط الضوء على خبرتنا، ولكن أيضا على حمايتها.
لم تبلغ الأربعين بعد، ما هي آفاقك المستقبلية؟
بالنسبة لي، الشيء الرئيس هو أن أخدم بلدي بأفضل ما أستطيع، ولكن أيضا أن أواصل الاستمتاع بممارسة واجباتي. أعتقد بصدق أن الجانبين مرتبطان، وأنه لا يمكنك تقديم أفضل ما لديك إلا في ظل هذه الشروط. وهذه هي الروح التي تسود هنا، فالوزير ليس إلا الجزء المرئي من جبل جليدي كبير يضم أطر الديوان وكل فرق الوزارة. كثيرا ما أكرر ذلك لفريقي، لدينا مسؤولية هائلة لإدارة الجانب الثقافي لبلد يتمتع بحضارة ألفية. إن هذا الماضي الغني، الذي لا تغفل مجلتكم “زمان” عن تذكيرنا به، يفرض علينا هذا الواجب الذي نتحمله بكل فخر.
حاوره سامي لقمهري