كما كان لسكان شمال إفريقيا ملوكهم أو زعماؤهم، كان لهم أيضا أربابهم، غير أن المصادر تشير إلى أن الأرباب المحلية كانت تحمل أسماء لا علاقة لها بالمنطقة.
يبدو ضروريا في البداية، توضيح أمرين: يتعلق أولهما باختيار المصطلح الذي يمكن إطلاقه على المعبودات، هل الرب أم الإله؟ ويرتبط ثانيهما بانتماء هذه الأرباب هل هي ليبية أو إفريقية أو مورية أو نوميدية؟
فيما يتعلق بالأمر الأول، فقد فضلنا استعمال مصطلح الرب بدل الإله، اعتمادا على ما جاء في سورة يوسف: «يا صاحبي السجن أ أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار» (آية: 39). وفي سورة التوبة: «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم» (آية: 31).
أما الأمر الثاني المتعلق بانتماء هذه الأرباب، هل لليبيين أم للأفارقة أم للمور؟ ارتأينا أن نستعمل هذه الأسماء حسب ظهورها كرونولوجيا، وعلى أساس إمكانية استيعاب الكلمة المستعملة أكبر عدد من المجموعات البشرية التي كانت تستوطن شمال إفريقيا.
فهذا المجال مثلا كان يسمى بليبيا زمن هيرودوت، لذلك علينا أن نسمي الأرباب المشتركة بين أبناء شمال إفريقيا بالأرباب الليبية، وتمتد هذه المرحلة من بداية العصور التاريخية إلى بداية ظهور الممالك المورية والنوميدية. وخلال مرحلة هذه الممالك نسميها بالأرباب المورية أو النوميدية. وتنتهي مرحلة الممالك المحلية سنة 40 ميلادية، عند تصفية الملك الموري بطليموس، واحتلال الرومان للمملكة المورية. وهناك مرحلة أخرى ترتبط بأرض قرطاج التي دمرت روما عاصمتها سنة 146 قبل الميلاد. وأطلقت روما على منطقة النفود القرطاجي اسم إفريقيا. وهذا ما يفرض تتبع مختلف المراحل، وإطلاق الأسماء الملائمة على كل رب من الأرباب. ولتفادى هذا الخلط كله، استعملت في هذا الموضوع مصطلح الأرباب المحلية.
أرباب بأسماء مجهولة
أطلقت تسمية «الأرباب المحلية» على العديد من المعبودات التي لم نجد لها أثرا في النصوص الكلاسيكية التي تعرضت لشمال إفريقيا قبل الاحتلال الروماني، ولا في النقائش البونية أو المورية. والمصادر الوحيدة التي تحدثت عن هذه الأرباب وذكرتها هي الإيبيغرافية اللاتينية بالدرجة الأولى، وبعض الكتاب الكلاسيكيين أمثال تيرتوليان وأرنوب وكوريب بدرجة ثانية. تتميز الأرباب المحلية بأنها تحمل أسماء مجهولة خارج شمال إفريقيا، إذ لا وجود لها خارج هذه المنطقة، وكون كل واحد منها تمت الإشارة إليه في مكان واحد لا غير. واعتمادا على هذا، فإنه يمكن اعتبارها أربابا محلية. ومع ذلك، لا يستبعد أن نجد من ضمن هذه الأرباب تلك التي جاء بها الجنود الرومان القادمون من مناطق أخرى من الإمبراطورية الرومانية. والملاحظ بالنسبة للأرباب المحلية أن النقائش المرفوعة لها قدمت في أغلبها من طرف أجانب، أو على الأقل، يحملون أسماء أجنبية رومانية على الخصوص، وذلك على الرغم من أن حمل الاسم الأجنبي لا يعني إطلاقا أن صاحبه أجنبي، لأنه من الممكن أن يكون موريا أو نوميديا أو إفريقيا ولكن مترومنا، أو يحمل اسما أجنبيا فقط. ومع ذلك، يبدو أن أغلب المؤمنين به أجانب بالاسم. فما هي دوافع الأجانب بالاسم أو بالفعل إلى تقدير وتبجيل هذه الأرباب المحلية أو المورية؟
مصطفى أعشي
تتمة المقال تجدونها في العدد 10-11 من مجلتكم «زمان»