“فضالة الخوان” لابن رزين هو أحد أقدم الكتب التي جمعت وصفات وأكلات ما زالت تشكل إلى حد الآن عماد المطبخ المغربي.
يصنف موضوع تاريخ الطبيخ في إطار الأنتروبولوجية التاريخية، وتاريخ التقنيات الغذائية العاكسة لتاريخ الثقافات المادية والحياة اليومية لمختلف المجتمعات، فالطبيخ ظاهرة ثقافية- اجتماعية مرتبطة بتطور الحضارات، إذ ليس الغرض منه إشباع الحاجيات الذاتية، بل يمثل أحد مظاهر الإبداع، والتعامل الجمالي والرمزي لدى الأفراد والجماعات، حيث تمثل الأذواق والأنماط الغذائية عنصرا أساسيا من عناصر هويتها الثقافية والحضارية.
تعكس كتب الطبيخ مادة غنية بالدلالات والإيحاءات، تتقاطع فيها اقتصاديات التغذية بتطور التقاليد المطبخية والعادات الاجتماعية الموازية، عاكسة في الآن نفسه تاريخ الأنساق الثقافية والأحاسيس النفسية من خلال رصد اختلاف الرغبات والأذواق، وطرق اختيار أصناف الأكل والشراب، وطرق إعداد الموائد وغيرها.
في هذا السياق، برزت كتب الطبيخ في مجالات عدة من العالم الإسلامي انسجاما مع الرقي الحضاري الذي عرفه العصر العباسي، نتيجة التفاعل مع حضارات عدة فارسية كانت أو بيزنطية أو إفريقية أو أسيوية. وعلى غرار ذلك، ظهرت في المجال الأندلسي كتب كثيرة من هذا الصنف، اشتهر منها كتاب “أنواع الصيدلة في ألوان الأطعمة” لمجهول، وكتاب “فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان” لابن رزين، الذي ألفه ما بين 636هـ/ 1238م و640هـ/ 1266م. ويظهر من عنوان هذا المُؤَلَّف أن صاحبه سار على درب من سبقوه، لكنه أراد التميز، وأعلن عن ذلك صراحة في مقدمة كتابه، فقد رأى أن كثيرا ممن ألفوا في الطبخ، اقتصروا على المشهور، “وأغفلوا التنبيه على كثير من الأمور…”. وقد سعى ابن رزين إلى تدارك هذا النقص، لا من حيث كَمِّ الأطعمة التي ضمَّنها مؤلفه، ولا من حيث طريقة عرضها، فاستوفى كل نوع بوصف شامل ودقيق لمراحل إعداده. وبناء على ذلك، قسم كتابه إلى اثني عشر قسما، خص الأطعمة فيها بإحدى عشر فصلا، وأفرد الثاني عشر لمواد تنظيف أواني الطبيخ (الغسولات).
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 5 من مجلتكم «زمان»