في فاتح ماي، خرج العمال، كالعادة، للاحتفال بعيدهم العالمي. بينما اختار المغربي إبراهيم بوعرام الخروج للاستمتاع بشمس باريس في ذلك اليوم الربيعي. لم يكن إبراهيم ينتمي لنقابة أو لحزب سياسي. لذلك، لم يشغل نفسه بأن يكون وسط الحشود التي تعج بها أكبر شوارع العاصمة الفرنسية.
اختار أن يكتشف “حديقته السرية” على نهر السين، بعيدا عن الحناجر الملتهبة والمطالبة، في ذلك اليوم من عام 1995، بضمان حقوق العمال والعيش الكريم أمام العولمة الزاحفة آنذاك.
لكن إبراهيم لم يتوقع أن هناك من سيعمل على إفساد رغبته. كانوا ثلاثة شبان من حليقي الرؤوس المنتمين لحزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف. انسلوا من بين الحشود، وتوجهوا إلى نهر السين، لسبب ما. ربما لإيجاد “فريسة” وحيدة.
من سوء حظ إبراهيم أنه كان في المكان الخطأ. لم تساعده ملامح وجهه المائلة للسمرة على التمويه، أمام ثلاثة وحوش بشرية، كانت متعطشة للدم وقتل “الغريب”، أي غريب. هكذا، وجد إبراهيم، ذو الـ29 ربيعا، نفسه وسط كماشة من الأيادي والأرجل تنهال عليه بالضرب، لأنه يحمل سحنة مغاربية لا ترغب أدبيات “الجبهة الوطنية” في وجودها على التراب الفرنسي.
حين تعب الثلاثة، وكانوا كلهم في العشرين تقريبا، من الضرب، بذلوا جهدا إضافيا لإلقاء الجسد الذي خرَّ تحت أقدامهم في النهر، قرب جسر كاروسيل.
هز مقتل بوعرام فرنسا، وغطى عن أخبار فاتح ماي. ثم توسع النقاش حول المسؤولية الأخلاقية لخطابات وشعارات حزب “الجبهة الوطنية” التي تغذي جينات التطرف.
كانت فرنسا، حينها، تعيش على إيقاع الانتخابات الرئاسية، فيما كان فرانسوا ميتران يستعد لمغادرة قصر الإليزي بعدما استنفد ولايتين متتاليتين. ومع ذلك، حرص على زيارة المكان الذي غرق فيه بوعرام، فيما اعتبر جان-ماري لوبين، زعيم “الجبهة الوطنية” والمرشح في الانتخابات، مقتل المغربي مجرد خبر منوعات، يجب نشره، فقط، في الصفحات الداخلية للجرائد.
ربما أن لوبين لم يدرك أن الأحداث الرمزية، حتى وإن كانت صغيرة، يمكن أن تصنع التاريخ. فقد قُتِل بوعرام لأنه يمثل رمزا لـ”الآخر” الذي تكرهه “الجبهة”، لكنه أصبح، منذ الجريمة ثم بعد إقامة نصب تذكاري تكريما لروحه، رمزا لمناهضة العنصرية.
منذئذ، أصبح إبراهيم ذكرى وسط ذكريات فاتح ماي.
أي نتيجة
View All Result