دارت أحداث هذه القصة بجبال سكساوة، غير بعيد عن مراكش، في الوقت الذي تراجعت فيه هيبة الدولة بموت السلطان الأكحل أبي الحسن المريني عام 1531م، وبعد أن نشط أمراء الحرب و«هاجت الفتن بالقبائل».
تحدرت الشمس نحو المغيب، ولملم الضوء أطرافه، ولاحت على جبال سكساوة صفرة كئيبة وصمت رهيب، يخفف منه ثُغاء متقطع لقطعان الماشية وصيحات رعاتها، وقد عادوا بها من مرعاها نحو كهوف أحكمت الطبيعة منعتها، وزادها أصحابها تحصينا درءا لمخاطر الغزو والحرابة. كانت فاطمة تجلس، وزوجها محمد، قرب بيتهما البسيط المطل على «أسيف نوال» (وادي إيمينتانوت)، ترقب الليل يهوي على الوادي وقد راع نظرتها الشحوب.
التفتت إلى زوجها، وقد جلس على دكة بباب البيت وبيده خنجر يشحذه، قالت: لست أدري، كلما رأيت هذا الخنجر، يتسلل إلى قلبي خوف كبير، وتأخذني ظنوني إلى أبعد حدود، أما كان أولى أن تشحذ فأسك بدل هذا الخنجر، وتشغل نفسك بما يمكن أن نزرعه في هذه الرقعة من الأرض التي طال بها البوار. لم تكن فاطمة تنتظر جوابا عن سؤالها، كانت تعرف أن زوجها المسكين لا حول له ولا قوة فيما صارت إليه أوضاعهما مع غيرهما من سكان هذه النواحي، فقد تكالب الزمان عليهم منذ أن نزل الطاعون الأسود بالبلاد، وحصد أرواح الأقارب والأصحاب، وتجاهر القوم بالعداوة بعد أن تراجعت هيبة الدولة بموت السلطان الأكحل أبي الحسن فوق هذه الجبال، وهو يحارب ابنه أبا فارس الذي اغتصب الملك منه غصبا، وحتى خلال تلك العشر سنوات التي تمهدت فيها البلاد للأمير الجديد لم تسلم الجبال القريبة من مراكش، كغيرها من النواحي البعيدة عن سلطة المخزن، من كثرة الفتن وبأس الخارجين عن الطاعة وغزو القبائل والمحاربين.
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 28 من مجلتكم «زمان»