في الوقت الذي كانت فيه الدول الأوربية تتسابق للاستحواذ على المغرب، أو على الأقل “اقتسام حلواه”، كانت الولايات المتحدة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي منشغلة ببناء عالمها الجديد بعيدا عن مشاكل وأطماع القارة العجوز.
وما كانت تعرفه نخبتها عن المغرب، لا يتجاوز بالكاد اعترافه، كأول بلد، باستقلال أمريكا عن التاج البريطاني، وظلت العلاقات بين البلدين في حدود الاحترام المتبادل، وفي حدود رسائل بين السلطان وبين الرئيس لا تتجاوز أصابع اليد.
مع مطلع القرن العشرين، بدأ المغرب يعيش فوضاه الداخلية كنتيجة لضعف المخزن وانشغال رجاله بتدبير مرحلة ما بعد مولاي الحسن الأول. ووسط تلك الفوضى ظهر متمردون وزعماء حرب في الجهات الأربع. وكما كان هؤلاء في حاجة إلى الرجال، كانوا في حاجة، أيضا، إلى المال.
لذلك، لم يجد أحمد بنعبد الله الريسوني، الذي جمع الناس حوله في جزء من شمال المغرب، أفضل من الإغارة على قصر بيرديكاريس الملياردير الأمريكي. وفي رمشة عين من يوم 18 ماي 1904، تمكن رجاله من اختطاف زوجة الملياردير وابنها كرومويل. “صيد ثمين”، جعل الريسوني، أو بريسول كما يسميه البريطانيون، يتفاوض من موقع قوة. فقد طالب مقابل إخلاء سبيل الرهينتين مبلغا محترما من المال، وإطلاق سراح أتباعه، وعزل باشا طنجة، وانسحاب المحلة السلطانية المرابطة على مشارف مدينة البوغاز.
وصلت “برقية” اختطاف رهينتين أمريكيتين إلى واشنطن، في وقت كان الرئيس ثيودور روزفلت في عز حملة إعادة انتخابه. لم يجد، هو الآخر، أفضل مما عُرِف بـ”قضية بيرديكاريس”، لدغدغة شعور الرأي العام الغاضب من اختطاف اثنين من مواطنيه وراء البحار. ولوح روزفلت بإرسال أربع بوارج حربية إلى خليج طنجة قصد تحرير زوجة المليادير وابنها.
لم يعد هناك مجال للمزاح، وشفعت معاملة الريسوني الحسنة لرهينتيه بأن يعود إلى حياته العادية، بعد القضية التي شغلت الأمريكيين طويلا، إلى حد أن صناع السينما تبنوا القصة في فليم. ربما، لأنها تجمع كل عناصر الإثارة التي تريدها “هوليود”. كانت هناك قصة مغربية تستحق أن تروى.
أي نتيجة
View All Result