أغنت الأستاذة رحمة بورقية الساحة الفكرية والبحثية بالمغرب بأبحاث حول الثابت والمتحول في المجتمع المغربي، كما يعرفها أصحاب التخصص، وكما يدل على ذلك مؤلفها حول ”السلطة والدولة والمجتمع” ،ودراساتها حول الشباب والقيم والمرأة. وإلى جانب شهرتها كونها أول امرأة ترأس جامعة مغربية، تعد بورقية من الباحثات الأوائل في حقل السوسيولوجيا منذ سنوات السبعينات في علم الاجتماع القروي، اللواتي اشتغلن وتعلمن بين يدي محمد جسوس، ومن بين الذين أسهموا في تأطير أجيال من الطلبة والباحثين. في هذا الحوار، تتحدث السوسيولوجية رحمة بورقية عن مسارها الشخصي منذ نشأتها، وعن علاقتها بالممارسة السياسة والتحصيل العلمي .وبحكم منصبها على رأس الهيأة الوطنية لتقييم التعليم وعضويتها ضمن أكاديمية المملكة ومناصب سابقة أخرى، فللباحثة المتخصصة رأي حول عدة مواضيع تعبّر عنه بين ثنايا الحوار.
بشكل خاص، كيف قضيت ظروف الحجر الصحي؟ وكسوسيولوجية، كيف تنظرين إلى العالم ما بعد كورونا؟
لم يسبق أن عاش جيلي جائحة من هذا القبيل، وبهذا الاكتساح العالمي، الذي كان له وقع على الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية، والشغل، والصحة، والتعليم، والثقافة .ذكّرتنا كورونا بأن العالم قرية صغيرة عندما يتعلق الأمر بانتشار الوباء في القرن الواحد والعشرين الذي يعرف تنقلا مكثفا للبشر. والفرق شاسع بين زمننا وزمن الأوبئة التي يتحدث عنها المؤرخون في القرن التاسع عشر وقبله. فالحجر الصحي ألزمنا البيوت لشهور، قضيت معظمها في العمل عن بعد، بحيث سمح لي هذا الوضع العمل المتواصل خلال اليوم، بدون توقف طول النهار، في سياق عملي المهني في “الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية التكوين والبحث العلمي“ .كما أنني اغتنمت هذه الفرصة للتفكير في تأثير تلك الجائحة على المجتمعات النامية بالمقارنة مع المجتمعات المتقدمة التي اكتسحتها وأصيبت هي الأخرى بحدة كبيرة، والتفكير في تأثيرها على التربية والتعليم في بلدنا. وستصدر قريبا هذه الأفكار، خصوصا المتعلقة منها بمسألة التربية، في شكل مقال ضمن مجموعة من مساهمات لمثقفين مغاربة حول الجائحة.
أما فيما يخص العالم بعد كورونا، يمكن القول، وبدون أن أدعي التنبؤ بالمستقبل، أن ملامح العالم لن تتغير. لن يصبح العالم أكثر عدلا ونحن نلاحظ خلال محنة كورونا أن كل بلد يحاول أن يواجهها لوحده. كما أبانت الدول عن أنانية، وخصوصا الدول المتقدمة. كما أن الرأسمالية وسيطرة الاقتصاد المالي ستظلان مهيمنتين. نحن نلاحظ، اليوم، أن بعض المختبرات الكبرى في الدول الرأسمالية تسارع الزمن من أجل تصنيع اللقاح في سباق نحو الكسب .ورغم كل هذا على المجتمعات النامية أن تستفيد من المحنة لتقوية مناعتها .يجب أن تشكل الجائحة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات. مما لا شك فيه أن قضايا الصحة، والتعليم، والتغطية الاجتماعية، وتنمية الاقتصاد، والشغل، أضحت أولويات كبرى لا لتجاوز آثر الجائحة فحسب، وإنما أيضا لتحقيق قفزة نوعية من أجل التنمية بتعبئة جديدة وتضامن تسهم فيه كل القوى الحية.
لو أمكن أستاذة، حدثينا عن نشأتك وتكوينك الدراسي؟
نشأت في أسرة متواضعة في مدينة طنجة. وكان أبي موظفا في الجمارك وأمي ربة بيت. ولقد كنت أكبر أبنائهما وبناتهما. كان أبي على الخصوص يراهن على تعليمي لأنه رجل عصامي، ولقد أقدم على التعليم في مرحلة متقدمة في سنه لكي يخرج من الأمية. وكان يحرص على أن أتعلم في المدرسة العمومية ذات ازدواجية اللغتين: العربية والفرنسية، وكم من مرة سمعته يلوم صديقين له على اختيارهما لتعليم أبنائهما: أحدهما اختار لأبنائه الدراسة في مدرسة البعثة الفرنسية، والآخر اختار المدرسة الحرة التي تدرس باللغة العربية. وكان يشيد على مسامعي بأهمية تعليمي باللغتين: العربية والفرنسية.
حاورها غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 86 من مجلتكم «زمان»