كثير هم عظماء القرن العشرين، لكنّ قليلا منهم الذين تعددت وجوه عظمتهم ونبوغهم، ومن هؤلاء القلة يفخر المغاربة والعرب والمسلمون بعلال الفاسي الزعيم السياسي، والمفكر، والشاعر، والعلامة الفقيه… تجمَّع فيه ما تفرق في غيره من صُنّاع التاريخ.
ما يميز وجوه عطاء علال الفاسي أن كل وجه منها كان يشف عن الآخر وينضح بعطره؛ فالنضال السياسي، في مساره اللاحب الطويل، کان ینمّ عن أفق فسيح عميق في الفكر، والثقافة، والإبداع، والبحث العلمي والفقهي… ولذلك، لم يكن إبداعه الشعري مجرد حلية يتزيى بها الفقيه أو القائد السياسي، كما لم يكن مجرد امتداد للأديب والباحث والمثقف فيه، بل كان هو البؤرة التي تلتئم فيها جوانب عطاء شخصيته وأبعاد حضوره المتوهج كلها …كان الشعر شغف حياته، يملأ كيانه بعنفوان القول، وجميل البوح، ولذيذ الكلام. يستحضره في مواقف حياته جميعا، ويتحرك به وجدانه صعودا ونزولا، في مختلف الظروف التي وسمت عمره النضالي الحافل وبذله الإنساني وافر السخاء. في مقتبل العمر، شرع علال الفاسي في نحت حضوره المضيء تحت سماء وطنه السليب، مزاوجا بين الكفاح الوطني والنضال الثقافي. واستمر فعله السياسي مقترناً بالفعل الثقافي طوال حياته التي مثلت نموذجا فذا في المزج شبه المستحيل بين أهوال الكفاح الوطني وبين مصاعب تحقيق النهوض الثقافي وإشاعة فكر الإصلاح والتنوير. وبدأت علامات نبوغه في السياسة والثقافة قبل أن يراهق البلوغ، حتى إنه سجل قصيدة شهيرة له نشرتها “الشهاب“ الجزائرية، في عددها التاسع والثمانين، في العام ،1927 ما يمكن اعتباره استباقا في الإعلان عن مهام الزعيم القائد والمثقف الطليعي الذي قرر أن يكونه، وأن يجاهد في سبيل تحقيق أهدافه النبيلة العظيمة.
نجيب خداري
تتمة المقال تجدونها في العدد 127 من مجلتكم «زمان»