رافق عبد اللطيف جبرو كبار السياسة في المغرب، بدءا بعبد الرحيم بوعبيد واليوسفي، مرورا ببنبركة وعمر بنجلون. هنا، يعود جبرو، الصحافي والمحلل السياسي اليساري، إلى أبرز محطات تاريخ المغرب المعاصر.
تعتبرون شاهدا متميزا عن صعود ومسار الحركة الوطنية، خاصة شقها التقدمي. كيف وصلتم إلى ذلك؟
هذا يعود إلى الأسبوع الذي سبق عزل السلطان بنيوسف. كنت أبلغ حينها 14 سنة، ووجدت نفسي منجذبا إلى العواطف التي عبر عنها سكان الرباط. هكذا، شاركت أقراني في مظاهرة انتهت في المشور. كنا نردد شعار: «نستنكر البروتوكول المفروض» في إشارة إلى الضغوط التي كانت الحماية تمارسها ضد محمد بنيوسف. بعد أيام عن هذه التظاهرة، منعتنا السلطات من معاودة الكرة، لكن بعد عزل السلطان وتصريحات علال الفاسي، أحسسنا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا للدفاع عن العرش. ثم بدأ المغاربة «يرون» وجه السلطان في القمر. وشيئا فشيئا، بدأ اليأس يتحكم في الناس، وكان يجب انتظار صدمة أخرى حتى يتحركوا من جديد، حين حاول علال بنعبد لله اغتيال محمد بنعرفة.
كيف أثرت محاولة بنعبد الله في نشاطكم النضالي؟
كنت، يوم 11 شتنبر 1953، أزور أفراد من عائلتي في حي العكاري بالرباط. كانوا يرتبطون بعلاقة مع عائلة عبد الإله بنكيران الذي لم يكن مولودا بعد. وكان والده حاضرا أثناء محاولة اغتيال بنعرفة، وهكذا علمت بخبر المحاولة، في الوقت الذي كان الغموض ما يزال سائدا، بحيث راجت إشاعة تفيد أن بنعرفة أصيب بجروح قاتلة. وكان يجب انتظار 14 ساعة، لتؤكد الأخبار الواردة من إذاعة لندن أن المحاولة فشلت. علمنا، أيضا، أن بنعبد لله قد قتل، وأنه من سكان حي العكاري. شهرا بعد ذلك، أجمع المغاربة على إقامة احتفالات غير مسبوقة بمناسبة عيد العرش يوم 18 نونبر 1953. وكنت مع مجموعة، من الشبان، أخذت على عاتقها كتابة مناشير مخطوطة وتوزيعها على البيوت، ولقد نسخت هذا النص الذي ما زلت أحفظه عن ظهر قبل، وهو «أيها المغاربة الأحرار، إن الأيام قد كشفت لنا فيما مضى عن نية الاستعمار. أين محمد الخامس؟ إنه في كورسيكا. أين رجال الوطن الأحرار؟ إنهم في السجون؟ أين هي تضحيتنا؟ هي التي ستكون يوم 18 نونبر، يوم حزن وإضراب شامل». قلت لرفاقي، وأنا جد متحمس، بأنه يجب أن نشارك، أيضا، في الإضراب. غير أن أحدهم كشف عن النص لأبيه الذي كان مقدما. هكذا وجدت نفسي، في سن 14، موقوفا ومقتادا إلى خليفة الباشا رفقة المراقب موزو.
وفي مكتب الخليفة، لم يصدقوا أني وراء تلك المبادرة، وطلبوا أن اكشف لهم عمن أمرني بذلك تحت التهديد بالاعتقال. أصريت على أني المسؤول الوحيد، وقبل أن يخلوا سبيلي، قالوا لي إنه في حال وقعت اضطرابات يوم 18 نونبر، فإني سأكون المسؤول عن ذلك في أعين السلطات.
حاوره حسن أوريد وسامي لقمهري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 30 من مجلتكم «زمان»