بعد البحث في جذور إمارة المؤمنين في المغرب وتتبع مسارها، لا بد من الوقوف على أدوارها وتحليل وظائفها في مغرب الدولة الحديثة، الدولة التي أضحت تعتمد الدستور والقوانين لتدبير شؤون المواطنين. في هذا الحوار، يجيب أستاذ العلوم السياسية والخبير في تاريخ “الآداب السلطانية”، عز الدين العلام، عن العديد من الأسئلة المحورية حول موقع إمارة المؤمنين ودورها في سياسة الحكم.
عند الحديث عن إمارة المؤمنين في المغرب، وتاريخها ووظائفها، لا بد أن نتحدث عن البيعة التي تعتبر طقسا بل أحد ركائز الدولة المغربية. كيف نفهم البيعة اليوم في سياق الحديث عن إمارة المؤمنين؟
بدءا تجب الإشارة إلى أن الدستور الجديد (مثل الدساتير القديمة) ينص على إسلامية الدولة المغربية وإمارة رئيسها دون تفصيل. والتفصيل الأساس الثاني وراء كل هذه النعوت الدينية ليس شيئا آخر غير ما نعرفه جميعا تحت اسم البيعة.
لم تكن البيعة حسب وقائع التاريخ، تعاقدا اجتماعيا بالمعنى الذي يمكن أن يتلاءم مع أسس الدولة الحديثة، وكل المحاولات لجعلها في تلاؤم مع مقتضيات هذه الدولة هي مجرد تمرين ذهني. كيف نزيل عن البيعة جوهرها الديني، والدولة الحديثة في أساسها “لا دينية”. الفارق بين النظام السلطاني التقليدي والنظام السياسي الحديث قائم، والتعارض بينهما موجود. كيف يمكن أن نوفق على سبيل المثال بين مبدأ “تحريم الخروج” عن طاعة السلطان الموجود في أساس الدولة التقليدية، ومبدأ “الحق في المقاومة” الذي أسس عليه “جون لوك” عقده السياسي؟ الدولة الحديثة كما أكدت نفسها عبر التاريخ تعاقد اجتماعي، والدولة المغربية التقليدية كما قدمها لنا تاريخها استبداد سياسي. لتعاقد الدولة الحديثة مرجعه النظري المتمثل أساسا في كون مستودع السيادة ومصدر السلطة هو المجتمع (الأمة، الشعب..)، ولاستبداد الدولة التقليدية مرجعه النظري أو بالأحرى مسوغه الشرعي المتمثل في البيعة.
هل يمكن لدولة تقول عن نفسها إنها حديثة أن يكون لها دين ما؟ وأي معنى لإمارة المؤمنين ودورها، باعتبارها التجسيد الفعلي لإسلامية الدولة المغربية؟
إن التنصيص على إسلامية الدولة، وإمارة المؤمنين، ليس بالثابت المطلق. ذلك أن الدولة الحديثة لا دين لها، أو لنقل لها كل الأديان دون أن يكون لها أي دين بالتحديد لأن إدخال دين محدد في صلب الدستور يتناقض مع عموميتها. أما التنصيص على «إمارة المؤمنين»، فتتطلب شيئا من الاستفسار. فإن كان مجالها ينحصر في شؤون الدين فلا ضير في ذلك، بل تكون فائدتها أعم وأشمل. أما وأن تعكس ظلالها على المجال السياسي، فذاك شأن آخر. ومن الأمثلة الدالة في هذا المجال رد فعل الملك الراحل الحسن الثاني بصفته «أمير المؤمنين» على إثر انسحاب برلمانيي “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” من البرلمان احتجاجا على قرار تمديد ولايته لسنتين إضافيتين، حيث اعتُبر هذا الانسحاب بمثابة خروج عن “الجماعة” بالمعنى الديني طبعا، مع ما يستتبع ذلك من الناحية السياسية. تشبث الدولة بالدين يجد مبرره في كونه أداة لحمة اجتماعية. فهو يقدم لها خدمة كبيرة، ليس بالمعنى الإيديولوجي، ولكن بفضل تحقيقه لنوع من التلاحم الاجتماعي، وتأثيثه لمجالات عدة من حياة الناس اليومية، وتوحيده لعدد من القيم السائدة أخلاقيا وسلوكيا. ليس غريبا إذن أن يكون الدين حاضرا حسب الأحوال في عدد من الخطب والكلمات والرسائل الملكية، وليس شيئا زائدا حضوره الطقوسي في كل المناسبات الدينية. إنها بكل بساطة الصورة التي تتجلى واضحة في اعتبار ملك المغرب «أميرا للمؤمنين».
حاوره يونس مسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»