حرص عدد من الزهاد والمتصوفة على الاكتفاء بالقليل من الأكل، وكأنهم يتأقلمون مع حاجات جمهور يعيش حياة ضنك محكومة باقتصاد الكفاف.
حاول هذه المقالة أن تسافر بالقارئ لاستكشاف جانب مهم من تفاصيل العالم اليومي للأولياء والزهاد في تاريخ المجتمع المغربي خلال العصر الوسيط، ويتعلق الأمر بقوتهم اليومي وغذائهم. وكانت علاقتهم بإطعام الطعام أحد أبرز ملامح السلوك الصوفي طيلة تلك المرحلة. وعبرهم ومن خلالهم، سنحاول استجلاء بعض المعطيات عن غذاء البسطاء والمستضعفين والفئات الفقيرة، خاصة من أهل الأرياف والبوادي.
تسمح المعطيات، التي يوفرها المتن المنقبي، بالتسلل عبر العالم المصغر للعُباد والزُهاد إلى عالم الحياة اليومية للمهمشين والفقراء، وبالضبط العبور عبر غذاء المتصوفة إلى القوت العادي واليومي لمعظم سكان البوادي. قد يكون بعض الأفراد من هؤلاء العُباد استثنائيين جدا، وقد لا يكون حال الفقر والاستضعاف حال بعضهم أو بعضهن، إذ إن الالتحاق بعالم الصلاح والولاية لم يكن من شروطه الانتماء إلى تلك الفئات حصرا، ولكنهم جميعا انغمسوا في تلك الأوساط، ومثلوا صوتها والمعبر عن أحوالها. وبينما نستكشف ذلك العالم الفريد الذي رسمه الصوفي لنفسه فردا، نستطيع أن نطل على أحوال المجتمع الذي ينتمي إليه. وربما نقترب في سفرنا القصير هذا، مما بات يعرف بـ”تاريخ الهامش”، أو “التاريخ الجزئي”.
حميد تيتاو
تتمة المقال تجدونها في العدد 65 من مجلتكم «زمان»