في كتابه “ناصر الدين على القوم الكافرين”، يحكي الموريسكي أحمد بن قاسم الحجري، مبعوث البلاط السعدي إلى أوربا، والشهير بأفوقاي، قصة غرامه وحب جمعه مع قريبة من قائد المنطقة الفرنسية ببوردو، وكذلك عن امتناعه عما راودته عن نفسه.
يقول: “وكانت في تلك الدار بنت من قرابتهم ذات مال عظيم مما ترك لها والداها، وهي من أربع وعشرين سنة ولها من الحسن والجمال كثير، وطلبها للزواج كثير من اكابر أهل بلادهم ولم ترض بأحد منهم.
وقدموا لي مع أصحابي طعاما فلم نأكل منه. قلت لهم: هذا ممنوع في ديننا، ثم أعطونا ما ذكرنا لهم. ثم جاءت البنت وقالت لي أن أصف لها النساء اللواتي هن في غاية الحسن والملاحة عندنا، وذكرت لها ما تيسر. قالت: أنتم على الحق، وذلك أنها كانت بيضاء بشيء من الحمرة، وشعرها أسود وشعر الحواجب وأشفار العين وكحل العين في غاية. والمرأة عند الفرنج على هذه الحالة، مهمولة عندهم في الحسن، ويقولون إنها سوداء.
وكانت البنت تزين نفسها وتسألني: هل في بلادنا من يلبس لباسات الحرير مثلها؟ ثم قالت لي: أعلمك تقرأ بالفرنج وصرت تلميذا لها وأخذت في إكرام أصحابي، وكثرت المحبة بيننا حتى ابتليت بمحبتها بلية عظيمة. وقلت: قبل ذلك كنت في خصام مع النصارى على المال، وفي الجهاد على الدين، والآن هو الخصام مع النفس والشيطان، فالنفس تطلب قضاء الغرض والشيطان يعينها، والروح ينهى عن الحرام، والعقل يحكم بينهما.
وكنت أخرج إلى بين الأشجار وأدعو الله أن يثبتني.. وكنت أخفي ما أصابني من الهم بسبب البنت من أصحابي، لئلا يظهر لهم ضعف مني.
ورأيتها يوما زينت نفسها، وكانت ترعاني وليس لي خبر بما أضمرت، وسرت إلى الجنان، والبساتين بتلك البلاد ما لها حيطان للتحويط، بل يحفرون خندقا دايرا بالبستان غريقا، لمنع الناس من الدخول إليه إلا من الباب. وسمعتها تناديني فجئت من داخل الجنان إلى حاشية الخندق، وهي واقفة على الجنان والخندق، الكل عامر بالأشجار البرية، حتى لا يظهر قعره إلا في بعض المواضع، فتكلمنا هنالك وفهمت من حالها ما لا يخفى، وتكلم أصحابي في الجنان وقرب من جهتي وذهبت. وفكني الله بفضله وإحسانه وحمايته وتوفيقه الجميل”.