عمدت سلطات الحماية إلى بناء كاريان سنطرال لإسكان العمال الكادحين المتوافدين على الدار البيضاء بعيدا عن الأحياء الأوربية، لكنها لم تدرك أنه سيكون شوكة في حلقها.
ظهرت بالمغرب، وخاصة ببعض المدن مثل الدار البيضاء والرباط والقنيطرة، في ثلاثينات القرن العشرين، مجموعة من الأحياء الصفيحية التي لم تتوقف عن النمو والتوسع طيلة النصف الأول من القرن المذكور، وقد أسهم في ذلك مجموعة من العوامل من بينها: طبيعة النظام الرأسمالي الطارئ على البلاد مع الحماية الفرنسية وما كان يتطلبه من يد عاملة، ثم موجات الجفاف التي اجتاحت المغرب خلال الثلاثينات والأربعينات من الفترة نفسها، وكذا الاستيطان الممنهج الذي نزع من مجموعة من الفلاحين أراضيهم عن طريق المصادرات المتتالية، إضافة إلى عجز هؤلاء الفلاحين الصغار عن منافسة المزارعين الأوربيين، بسبب ممارستهم لزراعة بورية خاضعة للتقلبات المناخية. وتبعا لذلك، ارتفع عدد ساكنة هذه الأحياء بالدار البيضاء وحدها، سنة 1932، إلى ما يقارب 85 ألف نسمة. وبعد عقدين من الزمن، أي في سنة 1952، وصل عدد هؤلاء السكان إلى حوالي 165 ألف نسمة.
التأسيس قسرا
يرجع تأسيس حي كريان سنطرال إلى سنة 1922. كان القاطنون به يعملون في مقالع الحجارة التي بنيت بها المصانع التي اشتغلوا بها فيما بعد، وكانت هذه الجموع البشرية تتشكل من عناصر متباينة تنتمي إلى مختلف جهات البلاد، بل إن بعضهم قدم من موريتانيا ومالي والجزائر.
اشتق اسم كاريان سنطرال، الذي وُسم به الحي الصفيحي من المحطة الحرارية “سنطرال تيرميك”
(Centrale Thermique) الواقعة بالصخور السوداء (Roches Noires) التي كانت تابعة للمكتب الوطني للكهرباء (O.N.E)، حيث كان هذا الحي يقع بالقرب منها قبل أن يُرحل إلى جوار معمل الزيوت المغربية، ثم بعدها حُول إلى الجهات القريبة من معمل فوسفاط ألزاس ولوسيور إفريقيا، ليحط الرحال أخيرا بالحي الصناعي شرق الدار البيضاء، حيث وُطن على الأراضي التي كانت في ملك بلدية الدار البيضاء خلال سنة 1939.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 78 من مجلتكم «زمان»