استندت ميزانيات الدول، التي توالت على حكم في المغرب، على ما جاء به الدين وتواتر عليه السلف، قبل أن تعرف تغييرا كليا.
لم يعرف المغرب، طيلة قرون وعلى مدى توالي الدول التي حكمته، تنظيما ماليا بالمفهوم الحديث يميز، بشكل عملي وواضح، بين الموارد والنفقات، باعتبارهما أداة من أدوات السياسة المالية، وأيضا باعتبارهما الضامن الأساسي لاستقرار واستمرار الدولة. إذ استندت كل التجارب السابقة، إسوة بباقي الدول الإسلامية حينها، على منظومة التشريع الإسلامي الأصلية، المعتمدة حصرا على الجباية الشرعية، مع اجتهادات ترتبط بالوقت وبالظروف التي أملتها. في ظل ذلك، ظهرت مفاهيم من قبيل ”الأمين” و”أمين الأمناء” و”المصلحة”، وهي مفاهيم ما تزال تحتاج إلى البحث والتدقيق، كما أشار إلى ذلك المؤرخ الفرنسي دانييل ريفي الذي خصص مساره العلمي الطويل لدراسة تاريخ المغرب.
يقول الباحث الفرنسي نيكولا ميشال إن المغرب لم يفتقد إلى تنظيم مالي عصري فقط، بل افتقد أيضا إلى سياسة اقتصادية واضحة، إذ كانت «أغلب مداخيله من الإيرادات الجبائية والجمركية بمختلف أنواعها ، ومن التجارة، التي وظف فيها السلطان أموال المخزن المستخلصة، عبر فئة من التجار عرفت باسم ”تجار السلطان”، قصد الرواج وتنمية الأرباح خاصة مع نظام الاحتكارات والكونطرادات».
هكذا، ظل النظام المالي المغربي، على غرار جميع أجهزة الدولة، نظاما تقليديا موروثا عن الماضي، ولم يعرف مفهوم الميزانية إلا مع سلطات الحماية الفرنسية. غير أن ذلك لا يعني أن مالية الدول المغربية المركزية، خلال العصر الوسيط مثلا، كانت تسير بشكل عشوائي. فقد اعتمدت الدولة الموحدية على ”إدارة” مالية، بما ضمته من مؤسسات وموظفين ومحاسبة مالية، مقيمة نظاما ماليا تعددت مداخيله ومكوناته، كما أقامت دواوين مالية خاصة بكل إقليم، لكنها ظلت تابعة لديوان العاصمة مراكش.
بينما استحدثت الدولة المرينية تنظيما ماليا مختلفا، زاوجت في موارده فيه بين ما هو شرعي وما هو غير شرعي، بين الخراج والجزية والأعشار والزكاة، وبين الغنائم والمصادرات والهدايا.
“زمان” تعيد، هنا، طرح تجارب المغرب في التدبير المالي، وكيف حاول التوفيق بين ما تنص عليه أصول التشريع وبين ما كانت تفرضه إكراهات الواقع.
تنسيق هيئة التحرير
تتمة الملف تجدونها في العدد 34-35 من مجلتكم «زمان»