لا يمكن الحديث عن أولى الكتب المدرسية في مادة الفلسفة في السلك الثانوي، دون استحضار مصطفى العمري. هو ثالث الثلاثة إلى جانب محمد عابد الجابري وأحمد السطاتي، الذين ألفوا بشكل مشترك كتاب ”دروس في الفلسفة” سنة .1966 مصطفى العمري أو مصطفى ”الأزموري “كما يحب أن يطلق على نفسه، ازداد عام ،1935 بحي الأحباس في الدار البيضاء قبل أن تنتقل الأسرة إلى درب السلطان.. هو ابن ”خباز”، كان مهتما بالتعليم، وأسس مدرسة حرة …وهو الذي شجع ابنه بشغف، على مواصلة تعليمه .اليوم، يجلس العمري، القارئ الشره، بمنزله، محاطا بالكتب، وهو في 87 من عمره .ذاكرته ما زالت تختزن السنوات والأحداث بدقة بالغة.. هنا، حديث عن تجربة ”دروس في الفلسفة”، وعن علاقاته بالاتحاديين، وصراع الدولة مع الفلسفة في سنوات الرصاص.
فتحت عينيك على المدرسة الحرة ”بوشعيب الأزموري” التي أسسها والدك عام ،1946 هل نشأتك، في هذا الوسط، جعلتك مهتما بمواصلة تعليمك؟
والدي كان محبا للعلم والعلماء، وكان دائما على اتصال بهؤلاء، وأذكر من جملتهم محمد بن العربي العلوي، كما كانت تزورنا بعض الشخصيات من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي كان يشرف عليها بشير الإبراهيمي. ومن جملة هاته الشخصيات، أحمد توفيق المدني، ومحمد العيد، إذ كانوا يمثلون مجلة البصائر، كان الوالد يستضيفهم ويرحب بهم. وحينما تأسست مدرسة مولاي الحسن عام ،1945 التحقت بها ودرست فيها سنة واحدة، أين كان يدرسنا مصطفى القصري وإدريس الكتاني ..ثم التحقت بمدرسة النجاح في السنة الموالية. كان الوالد ميسور الحال، فبدأ يفكر في تأسيس مدرسة حرة، والدافع الأول من تأسيس مدرسة بوشعيب الأزموري، هو توفير مكان للتعليم. لكن أحب أن أشير، في هذا الصدد، إلى أن والدي أعطى تصميم المدرسة على أنه تصميم لزاوية، وذلك من أجل تمويه السلطة الفرنسية. لكن الفرنسيين كانوا يعرفون ويغضون البصر.. كانت المدرسة بحي درب الكبير (شارع أحمد الصباغ)، وقد دشنها ولي العهد حينئذ مولاي الحسن، ودرست فيها سنة التدشين فقط. وقد كان فضله علي كبيرا رحمها لله، إذ كان يشجعني على الدراسة وقراءة الكتاب، ويوفر لي المال لشراء ما أحتاجه. أذكر أن أول ما قرأت، كانت مجموعة كامل الكيلاني في أدب الأطفال.
استقر عبد الرحمان اليوسفي لفترة قصيرة في نهاية الأربعينات بدرب السلطان، أين كان يزاول مهنة التدريس، ماذا تتذكر عن لقائك الأول به؟ وكيف كانت علاقتك به؟
بالفعل، فبعد انتقالي إلى التعليم التكميلي (بمثابة الاعدادي حاليا)، كان اليوسفي آنذاك مديرا ومدرسا في إحدى مدارس درب السلطان، كان يدرسنا السي عبد الرحمان مادة الجغرافيا، ودرست عنده لمدة سنتين. كنا نعرف حينها أنه كان مشغولا بالسياسة. وأذكر أنه عاتبني ذات مرة عتابا رقيقا، لأني أخطأت في الجغرافيا، إذ كتبت في أحد الأجوبة أن عاصمة الصين هي شنغهاي بدل بكين، وقال لي صحح معلوماتك، ونصحني بأن أقرأ جغرافية المغرب وتاريخه .كل ما ظل عالقا في ذهني عنه، أنه كان رجلا جديا وصارما، ولم نره قط يبتسم إلا مرة واحدة، حينما اكتشف حيل أحد المشاغبين معنا في القسم.
تتمة الحوار تجدونها في العدد 101 من مجلتكم «زمان»