لازمت معتقدات أسطورية تتعلق بالبحر ذاكرة المغاربة قرونا طويلة، إذ نسجوا حوله حكايات عن غموضه ومخلوقاته وعن آلهته. ورغم مجيء الإسلام وانتشاره بشمال إفريقيا، إلا أن تلك المعتقدات “امتزجت “وظلت قائمة، بل وتم توظيفها في السياسة مثلما فعلت الحضارات من قبل.
شكل موقع المغرب مجالا متميزا لأطماع قوى أجنبية متعددة منذ العهود القديمة من فينيقيين وقرطاجيين ورومان وغيرهم، وقد عكست روايات وحكايات هؤلاء عن سواحل المغرب جوانب من طبيعة تلك الأطماع والصراعات. فقد استوطن الفينيقيون، رغم تضارب الروايات حول مدة استيطانهم، في بعض السواحل المغربية، وتركوا خلفهم حكايات تتعلق بعضها بالبحر. كما آمنت قوى وحضارات متوسطية، نسبة للبحر المتوسط، بمعتقدات وأساطير وجدت لها مشتركا بين سكان شمال إفريقيا الذين جمعهم البحران .فكان لنسج لتلك الروايات غايات سياسة، كما يقول المؤرخ عبد المجيد القدوري؛ إذ كان الفينيقيون والقرطاجيون على سبيل المثال، يتنافسون في نسج روايات ذات طابع أسطوري حتى يبعدوا منافسيهم من اليونانيين .يعرض هذا المؤرخ بعضا من الحكايات، وفق ما جاء على لسان الشاعر الإغريقي هوميروس، «الذي قدم المغرب كمسرح تدور فيه أحداث بعض الآلهة، وبعض الأبطال. فالأطلس وهو أحد أولاد زيوس كان ملكا على المغرب حوّله أحد الآلهة إلى جبال لأنه لم يحسن ضيافته. وفي المغرب، أنجز هرقل عمله المتمثل في تفريق إفريقيا عن أوربا وخلق مضيق جبل طارق .والبطل أوليس (أوديسيوس)، بعدما نجا من كوارث كثيرة، لجأ إلى طنجة حيث استقبلته كلبسو [إلهة البحر] في إحدى المغارات». يعتبر القدوري أن هاته الخرافات المتعلقة بالبحر، تمثل الحسرة التي اجتاحت الإغريق جراء عدم تمكنهم من مزاحمة منافسيهم الذين وصلوا المغرب حيث توجد المعادن والذهب.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 110 من مجلتكم «زمان»