استفاد الدلائيون من المؤهلات الدينية والفقهية لزعيمهم أبي بكر، حتى يصل صداهم إلى أنحاء واسعة من البلاد، قبل أن يطمحوا إلى الحكم على أنقاض السعديين ومع ما تبقى منهم.
منذ نشأة الزاوية بالمغرب وظهورها، لم يكن دورها مقتصرا على أداء المهام الدينية والروحية باعتبار بنيتها وعمقها الإسلامي، ولا حتى على أداء عدد من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية التي عرفت بها تاريخيا. بل تعدى ذلك إلى مجال الفعل السياسي المؤطر لحياة الأفراد والجماعات، خاصة وأن الفصل بين السلطتين الدينية والدنيوية لم يكن مطروحا ولا متداولا، كما سيصير عليه الحال بعد ذلك، خصوصا مع دخول الاستعمار ونشأة مفهوم الدولة الحديثة وفصل السلط.
ورغم ما كان للزاوية من نفوذ اجتماعي واقتصادي، فقد انبنت علاقتها بالسلطة الحاكمة في غالب الأحوال بالمهادنة والاحتواء، خاصة مع ما كانت تقوم به من أدوار تستفيد منها الدولة، سواء فيما يتعلق بالعمل العسكري ومشاركتها في الجهاد وتسليح المجاهدين روحيا وماديا لمواجهة الأعداء، أو فيما يتعلق بالقيام بأدوار الصلح والتحكيم للفصل في مشاكل الأفراد والجماعات المحيطة بها، نظرا لما يرمز إليه شيخ الزاوية من تجسيد للحقيقة والحق والعدالة الدنيوية والأخروية. بل كانت الزاوية تتدخل حتى في تحقيق الصلح بين المتنازعين على السلطة، مما جعلها عامل استقرار وأمن، يطفئ نار الفتن والحروب الأهلية، ويحقن الدماء، ويؤلف بين الاتجاهات المتصارعة .إلا أن هذه العلاقة المنسجمة بين السلطة والزوايا لم تكن كذلك على الدوام، فقد عرف تاريخ المغرب أيضا تغول بعض الزوايا وتوقها للحكم، وانخراطها في الصراع على الحكم، مستفيدة من نفوذها الروحي، ومن ضعف السلطة المركزية وانهيارها، كما وقع زمن الدلائيين، حيث تبلور الوعي السياسي لدى زعماء الزاوية بضرورة تكوين دولة قوية، والانتقال من العمل التربوي والعلمي الصرف إلى بناء كيان سياسي قائم بنفسه، خصوصا مع ضعف الدولة السعدية، والصراع بين أبناء السلطان المنصور الذهبي بعد وفاته، وتزايد الأطماع الأجنبية البرتغالية والإسبانية، وهو ما قوى رغبة أبناء الزاوية في توحيد المغرب وتوسيع نفوذهم السياسي، قبل أن يتم إجهاض هذه المحاولة على يد الدولة العلوية الشريفة.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 114 من مجلتكم «زمان»