اعتبر السلطان أحمد نفسه الأحق بوضع اليد على جيران المغرب من بلدان الجنوب، لأنها «وافرة الخراج كثيرة المال»، لكن كان عليه التخلص، أولا، من سلطتين : سلاطين آل أسكيا وعلماء آل أقيت.
منذ وصول الشرفاء السعديين إلى الحكم، شكل إخضاع بلاد السودان الغربي وإدخاله ضمن نفوذ دولتهم، واحدا من أهم انشغالاتهم السياسية والاستراتيجية .وتعاظم هذا الانشغال مع تولي السلطان أحمد المنصور عرش أسلافه، إذ جعل من التوسع نحو الجنوب، بدل الشمال والشرق، وضم أصقاع السودان الغربي إلى نفوذ دولته، إحدى أولوياته الكبرى، وأهم أهدافه الاستراتيجية .ولبلوغ ذلك، كرس كل جهوده وإمكانياته، وسلك، بداية، كل السبل السلمية، وجرب كل الوسائل الدبلوماسية، فبعث من أجل ذلك مبعوثين ورسلا، وأرسل كتبا ورسائل.
عندما قرر، بعد ذلك، حسم المسألة عسكريا، بدأ في التهيئة لتنظيم حملة عسكرية لإخضاع بلاد السودان بالقوة. وقبل انطلاقتها نحو تحقيق الهدف، عمل على تحديد مهمتها ورسم خطتها. ويبدو من تطور الأحداث فيما بعد، بأن المرحلة الأولى من هذه الخطة كانت تقضي باتخاذ موقف حاسم تجاه قوتين فاعلتين، وسلطتين قائمتين في بلاد السودان؛ الأولى هي قوة وسلطة سلاطين آل أسكيا، وهم السلالة الحاكمة في مدينة كاغو وبلاد السودان الغربي عامة، والثانية هي قوة وسلطة علماء آل أقيت، وهم الأسرة النافذة في مدينة تنبكت وسائر بلاد السودان.
بمجرد وصول الحملة إلى بلاد السودان، اصطدمت قيادتها بهاتين السلطتين، وانتهى الصدام بالوقيعة بهؤلاء السلاطين والعلماء ونكبتهم، قتلا ومطاردة وأسرا وتهجيرا وتدميرا للرموز. وشكلت هذه النكبة حدثا هاما في تاريخ الحملة. سنحاول هنا إعادة تركيب هذا الحدث، وتتبع مختلف خيوطه وملابساته، متسائلين عن سياقاته المختلفة، وعن أبعاده المتعددة وخلفياته ودلالاته ورموزه.
عبد القادر أيت الغازي
تتمة المقال تجدونها في العدد 98 من مجلتكم «زمان»