بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي، كان العديد من الباباوات في الكنيسة الكاثوليكية، عندما يخفقون في تحويل الخلفاء والسلاطين إلى المسيحية، يقومون بوضع خطط لإطلاق الحملات الصليبية ضد المغرب. إليكم تحقيق حول حلقة غير معروفة من التاريخ المغربي.
الشيء الوحيد الذي ظل يثير حفيظة بعض فئات المجتمع المغربي، خاصة من المتدينين المحافظين، هو الوجود السابق أو الحالي بالمغرب للمسيحية بكل أطياف كنائسها، رغم كون الأمر من البديهيات التاريخية، نظرا لانتشارالمسيحية في المغرب قبل وصول العرب والمسلمين. حيث اعتنق بعض الأمازيغ، بداية، اليهودية ثم المسيحية. البابا الرابع عشر لروما، فيكتور الأول (199-189م)، كان هو نفسه أمازيغيا، في وقت لم يكن يتم فيه التمييز بين الدول المغاربية بالشكل الحالي. الشيء نفسه بالنسبة لأسقف قرطاج و”أب الكنيسة”، سيبريان (258-200م)، وكذلك بعد قرن من الزمان، أوغسطين، المعروف باسم القديس أوغسطين، الذي كان من أصول أمازيغية من خلال والدته.
وبالإضافة إلى القديس فيكتور الأول، ساد على الكرسي الرسولياثنان من البربر: البابا 32 والبابا 49، القديس ميلتايدوجيلاز الأول. ومن المفارقات، أن المغاربة اليهود تمكنوا من حفظ خصوصياتهم والحفاظ على دينهم، حتى أصبحوا على مر القرون واحدة من أكبر الجماعات اليهودية في العالم العربي، في حين اختفى المسيحيون تدريجيا من الجغرافيا المغربية حتى حلول الحماية الفرنسية، الحقبة التي تميزت ببعض التسامح تجاه التبشير المسيحي.
تمكن المغرب المعاصر من الحفاظ على علاقات ودية، في كثير من الأحيان، مع الباباوات الكاثوليك، لدرجة السماح لاثنين منهم، المحافظ المتشدد جان بول الثاني في عام 1985، والليبرالي فرانسوا في عام 2019، بزيارة أرض المغرب، مع إعطاء صبغة رسمية لزيارتهما. لكن في الماضي، لم تكن العلاقات بين الملوك المغاربة وبابوية روما بتلك الحرارة، ولا بدون أفكار مسبقة. في عصور سالفة، عمل فيها الفاتيكان، خلافا للحب الذي بشر به المسيح، على دفع بعض الأمراء المسيحيين لشن الحرب على سكان المغرب الأقصى، حيث تم التفكير في العديد من المشاريع لحروب صليبية والعمل عليها وتنفيذها تقريبا.
وفقا لأطروحة كلارا مايلارد عن “الباباوات والمغرب الكبير في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي”، التي قدمتها بجامعة نانت في عام 2011، كان لدى الباباوات ميول حربية نحو “ميرامولين” (التسمية الخاطئة لـ”أمير المؤمنين”)، الاسم الذي أطلقه الكتاب والقادة الدينيون، في العصر الوسيط،على الحاكم المغربي أو غيره.
خلال هذين القرنين، تم توجيه أكثر من 200 رسالة، محفوظة الآن في “أرشيف الفاتيكان السري”، إلى الأمراء المسلمين في البحر الأبيض المتوسط أو إلى الملوك المسيحيين. كانت غالبية هذه الإرساليات تتعلق بالمغرب، في الوقت الذي كان يحكمه الموحدون، ثم المرينيون.
عدنان السبتي
تتمة المقال تجدونها في العدد 78 من مجلتكم «زمان»